للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جهة أخرى، فإن الشرط الذي أجازه الأحناف معلوم بكل ما يقتضيه أما شرط الصيانة فلا يعلم ماذا سيصير إليه من اقتضاء عمل ومواد واستعمال آلات.

ولكنه (شرط الصيانة) مع ذلك شرط قد جرى به العرف، وتعامل به الناس دون إنكار، ودون أن يفضي ذلك إلى التنازع. فإذا كان ذلك هو مناط الاستثناء من الفساد بالشرط الجعلي عند الأحناف، فإنه ينطبق على شرط الصيانة في البيع. بل إن هذا الشرط يحقق مصالح كل من البائع والمشتري معا، كما رأينا في القسم الثالث من هذا البحث.

٢.استثناء الحملان في بيع الجمل، الذي ورد في حديث جابر، قاس عليه المالكية "الانتفاع اليسير بكل مبيع بعد بيعه على سبيل الاستمرار"، وقال به أيضًا الحنابلة أخذا بحديث جابر رضي الله عنه. (ص٢٤٩) .

ولاشك أن المشتري مثل البائع في ذلك. وشرط الصيانة هو نوع من شرط انتفاع للمشتري، وهو في العادة يسير بالنسبة لثمن العين المبيعة. فهلا يعامل مثله في ذلك؟

٣.يرى الحنابلة أن الشروط التي من مصلحة العقد صحيحة، ويلزم الوفاء بها (ص٢٥٥) . وأوردوا لذلك أمثلة: كأن تكون الدابة غزيرة اللبن والطير مصوتا. وهي من الصفات المعلومة أو التي يعلم تحققها بالتجريب.

ولاشك أن شرط الصيانة من مصلحة العقد، وهي مصلحة معلومة ولكن مقتضياتها غير معلومة عند البيع.

٤.يرى أبو حنيفة صحة إلحاق الشرط بالعقد بعد مجلس العقد (ص٢٤٧) . فهل يعتبر تمديد شرط الصيانة لفترة زمنية إضافية إلحاقا بعقد البيع؟ الأظهر أنه عقد صيانة جديد لأنه لا يحصل إلا بثمن جديد عند التمديد.

وفي الخيارات:

تسرد الموسوعة آراء المذاهب في خيار العيب وخيار فوات الصفة (٢٠/١١٣ – ١٦٣) . ويهمنا من هذه الآراء النقاط التالية:

٥.ينبغي أن نلاحظ أولا أن شرط الصيانة ليس بديلا كاملا لخيار العيب. فإن الرد بالعيب يبقى قائما مع وجود شرط الصيانة، ولكنه ينحصر في الحالات التي لا تبرئها الصيانة في العين المعمرة المبيعة. فلو تبين بعد قبض السيارة مثلا وجود شرخ أو اعوجاج في هيكلها الأساسي، فإن ذلك يعتبر عيبا أوسع من أن يصلح الراتق، وهو يستوجب الرد بالعيب.

فشرط الصيانة ليس إذن بديلا عن الرد بالعيب، ولكن علاقته بخيار العيب تبقى وثيقة كما يتضح من النقاط التالية:

٦.من مسقطات خيار الرد عند الفقهاء زوال العيب قبل الرد. وهنا يشكل شرط الصيانة مسقطا تعاقديا للرد بالعيب في الأحوال التي يمكن أن تشملها الصيانة. فإن الفقهاء قالوا بأن العيب لو أمكن "تداركه بزمن يسير يمنع الخيار" (ص١٤٤) .

٧.وفضلا عن ذلك، فإن لمسألة الزمن اليسير هنا أهمية في نظرنا لأنها تعني عدم تفويت منافع المبيع على المشتري إلا زمنا يسيرا، واليسير هو مما يتساهل به عادة.

ولعل ذلك يقتضي جواز اشتراط المنفعة البديلة لأنها تحقق هدف (الزمن اليسير) . فلو نص شرط الصيانة على أن يقدم البائع للمشتري خدمة أو منفعة بديلة لما تقدمه العين الخاضعة للصيانة أثناء فترة صيانتها، لتحقق هدف عدم تفويت منافع العين التي تتعرض للصيانة بتقديم بديل مماثل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>