١٦. محل العقد في الجعالة (إتمام عمل) (ص٢١٣) ، نحو تعليم حرفة أو إعادة مال ضائع أو تحصيل دين، أو مداواة مريض. وكذلك فإن عقد الصيانة وعقد التعهد بالصيانة محلهما هو (إتمام عمل) معرف، وتحقيق مقصد واضح، هو إعادة السلعة (أو مجموعة السلع) المعمرة إلى عهدها المعتاد في إنتاج منافعها، وما يشترطه الفقهاء في محل عقد الجعالة من كونه مباحا، غير واجب على العامل، وأن يتضمن مشقة أو مؤنة (عند الشافعية والحنابلة) ، كل ذلك متوافر في عمل الصيانة.
١٧.وقد تحدثوا عن خياطة ثوب أو بناء حائط كمحل لعقد الجعالة (ص٢٢٥) . وليس يفترق عن ذلك صيانة آلة أو بناء، بل قد يكون عقد الصيانة أولى بالجعالة من بناء الحائط أو خياطة الثوب، لأن البناء والخياطة تصلح فيها الإجارة، ولأن الجعالة أبيحت لحاجة الناس إليها رغم ما فيها من جهالة.
١٨.وفضلا عن ذلك، فإن محل عقد الجعالة يمكن أن يكون استمرار الحصول على سيل المنافع المعتاد، نحو استمرار توفر منفعة حركة سيارة ووقوفها بمواصفات ومعايير محددة معروفة للسيارة وللوقوف وللحركة عندئذ، ألا يمكن أن يشمل عقد الجعالة تقديم الصيانة المطلوبة للسيارة المشمولة بالعقد وتقديم منفعة بديلة مماثلة لفترة الصيانة؟ طالما عرفنا غرض الجاعل بأنه (استمرار حصول سيل من المنافع) .
١٩.يدخل في عقد الجعالة ما يستعمله العامل من دابة وسرج وآلات بناء وآلات خياطة، وغير ذلك من آلات معمرة تساعده على تحقيق مقصود الجاعل، وعلى العامل علف الدابة ونفقة هذه الآلات (ص٢١٩) . والراجح عند المالكية أن النفقة على المال المجاعل عليه هي على العامل أيضا حتى يرده إلى مالكه (ص٢١٩) ، أما عند الشافعية فهذه النفقة، المبذولة لمال الجاعل في يد العامل، هي على العامل إلى أن يأذن بها الجاعل أو القاضي أو يشهد العامل على أنه ينفقها على حساب الجاعل. وقال الحنابلة هي على الجاعل على كل حال (ص٢٢٠) .
كل ذلك يدل على أن المواد الاستهلاكية التي تتطلبها عملية الإصلاح واستعمال الآلات التي تقتضيها الصيانة هي على العامل في الجعالة، لأنها من طبيعة العقد، أو أنها يمكن أن تكون على العامل بالشرط. بل قد نص الشافعية على أن الجعالة تكون في عمل فيه مشقة أو مؤنة.
٢٠.أما ما ينفقه العامل من مواد استهلاكية للآلة المعقود على صيانتها ومن قطع تبديل (مثل المالكية بطعام العبد ولباسه) فهو مسألة خلافية يحسمها الشرط في العقد.
٢١.وكذلك فقد نص الشافعية على أن للجاعل أن يزيد (في العمل) المجاعل عليه، فلو رضي العامل بذلك، فليس له إلا الجعل (ص٢٣٠) . أي أن اشتراط دخول الآلات الجديدة لدى الجاعل في عقد الصيانة أمر جائز برضا العامل المجعول له.
٢٢.وإذا انطبقت الجعالة على عقدي الصيانة والتعهد بالصيانة، فإن العقود المشابهة لعقود الصيانة من عقد نظافة، وعقد تشغيل، وعقد تحديث، وعقد صيانة صحة لا تختلف في ذلك عن الصيانة.
٢٣.وأخيرا، فإن عقد التأمين بالصيانة على أسلوب التأمين التعاوني القائم على التبرع المشروط من المستأمن لا يثير أية مشكلة شرعية إضافية لما هو معروف حول التأمين نفسه.
فالقول بأن التبرعات تحتمل من الجهالة ما لا تحتمله المعاوضات ينسحب أيضا على ما في تأمين الصيانة من جهالة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور منذ قحف