وفى مجالات الصناعات التحويلية التي يوجد فيها خطوط إنتاج، حيث نتاج مرحلة معينة هو مادة وسيطة أو نصف مصنعة تستخدم في المرحلة التالية؛ يكون ضبط عملية الصيانة مهما جدا؛ لأن تعطل آلة معينة قد ينجم عنه خسارة كبيرة، لما يترتب عليه من تعطيل مراحل إنتاجية لاحقة وتعطيل أعداد من العاملين.
ومحصلة هذه الفقرة: أن الحاجة إلى الصيانة هي واسعة الانتشار كما أنها إلى ازدياد.
٤. عقد الصيانة المنفرد:
٤ /١ – مقدمات:
سبق أن بينا في (ف٢/٦) أن هدف الصيانة هو استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته بنجاعة، وتختلف بذلك عن الإصلاح الذي يعالج الخلل بعد وقوعه.
ويبدو أن العرف التجاري المعاصر يقصد بعقود الصيانة عند إطلاقها الصيانة الشاملة التي تضم النوعين الوقائية والعلاجية معا (ف٢/٦) ن ومثال الوقائية: الكشف بين حين وآخر على الآلة وضبطها واستبدال القطع التي أشرفت على التلف دون انتظار وقوع خلل.
ويلاحظ هندسيا أن أعمال الصيانة الدورية وما يحتاج فيها إلى تبديل بعض القطع أو الزيوت ... إلخ، كل ذلك يسهل تقديره سلفا على ذوي الخبرة بآلة معينة، وليس فيه إلا جهالة يسيرة. أما الصيانة العلاجية فهي بطبيعتها طارئة ليس من السهل تقديرها سلفا بالجهالة فيها كبيرة.
وأكثر عقود الصيانة فيما ظهر لنا هي من النوع الشامل لنوعيها الوقائي والعلاجي لأسباب واضحة؛ أهمها أن حسن الصيانة الوقائية يخفف الحاجة إلى الصيانة العلاجية ويقلل تكاليفها. لذلك فإن العهدة بهما معا إلى جهة واحدة له مزايا ظاهرة في حفز الصائن على إتقان الصيانة بنوعيها، ويسهل حصر المسؤولية.
وقد رأينا في جميع أمثلة العقود التي أوردناها، أنها تنطوي على التزام الصائن بتقديم بعض أو كل قطع الغيار التي تظهر حاجة لتبديلها خلال فترة العقد.
وقد تبين لنا أن عقد الصيانة تكتنفه أربعة عقود معروفة، يشبه كلا منها في نواحٍ ويخالفه في أخرى، هي عقود: الإجارة على عمل، والاستصناع، والجعالة، والتأمين، والتأمين على الأشياء. ونبين ذلك في الفقرات التالية تمهيدا لتكييف عقد الصيانة واقتراح حكم فقهي مناسب فيه.
٤ /٢ – عقد الصيانة مقارنا بالإجارة على عمل:
إن عقد الصيانة هو عقد على عمل، والصائن لا يضع نفسه تحت تصرف مالك الآلة مدة معينة ليقوم بالصيانة خلالها، لأنه عادة ليس أجيرا خاصا، لكنه أجير عام (مشترك) يبيع عمله في الصيانة لجهات كثيرة، لكن الصيانة تختلف عن الأعمال المألوف تأديتها من الأجراء العاملين، كالنجار والخياط في أمرين:
أ. جهالة مقدار العمل فيما يتصل بالصيانة الطارئة العلاجية، وهي جزء من عقود الصيانة في العادة.
ب. الالتزام بتقديم قطع التبديل من الصائن بالإضافة للعمل ولهذه القطع قيمة ذات شأن في العادة.
وجهالة مقدار العمل تدعونا إلى النظر إلى وجوه الشبه بين الصيانة والجعالة.
٤ /٣ – عقد الصيانة مقارنا بالجعالة:
إن أقوى وجه للشبه بين الجعالة والصيانة هو جهالة مقدار العمل، مع وجود غاية يطلب من العامل تحقيقها ليستحق الجعل، وهي هنا سلامة الآلة بحيث تؤدي وظائفها المعتادة.
ولو كان العقد ليس صيانة، بل إصلاحا لخلل قد وقع فعلا لتأكد شبهه بالجعالة. أما الصيانة فإن بينها وبين الجعالة فروقا ثانوية، وأخرى جوهرية.