للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعد في هذا المقام ثانويا تلك الفروق التي لا تخل بمقصد شرعي، لذلك يمنعها مذهب ويبيحها آخر في الجعالة، مع وجودها في الصيانة، مثل:

أ. منع تأقيت مدة العمل في الجعالة عند المالكية والشافعية، بينما الحنابلة يجيزون التأقيت (وهو موجود في عقود الصيانة دوما) ، وهو الأوجه في نظرنا، لأن فيه تقليلا لجهالة العمل، وهذا حسن وليس مباحا فقط (١) .

ب. عدم لزوم الجعالة عند المجيزين لها (إلا قولا ضعيفا عند المالكية باللزوم على الطرفين حتى قبل شروع العامل في العمل) (٢) . وعقود الصيانة لا مندوحة فيها عن اللزوم حتى قبل الشروع في العمل، لأن عدم اللزوم فيها ضار بالطرفين.

فروق جوهرية:

ج. من الفروق الجوهرية في نظرنا في الجعالة شرط أن يكون مقصود الجاعل لا يتحقق إلا بتمام العمل (مثل رد البعير الشارد، أو الحفر للوصول إلى الماء) . أما إن كان بعض العمل يفي ببعض غرض الجاعل (مثل إشادة بعض البناء) فإن العقد المناسب هنا هو الإجارة على عمل، وليس الجعالة، لأن مؤدى هذه أن لا يستحق العمل الجعل ولم أتم بعض العمل إذا لم ينجزه كله، مع أن الجاعل ينفع بهذا البعض، وفي هذا إجحاف دعا فقهاء المالكية إلى منع الجعالة في مثل هذه الحالات (٣) . ونحن نتبنى هذا الاجتهاد لأنه يحفظ مقصد العدالة والتوازن بين المتعاقدين.

ومن الواضح في عقود الصيانة التي نبحثها أن رب الآلة ينتفع بقيام الصائن عليها بعض مدة العقد، ولا يصح القول بأن مقصوده لا يتحقق منه شيء إلا بتمام المدة كلها. وهذا يتنافى مع تكييف الصيانة على أنها جعالة.

د. وهناك فرق جوهري آخر يتصل بالفرق السابق، وهو أن الزمن مقصود أصلي في عقد الصيانة، الذي يستهدف كما أسلفنا حفظ الآلة في حالة صالحة للعمل خلال فترة العقد فالصيانة عقد زمني بلا ريب تتحقق المنفعة فيه آنًا بعد آنٍ، شأن إجارة الأعيان وإجارة الأبدان، أما الجعالة على وجهها المعتاد فهدفنا تحقيق نتيجة معينة، ولو أمكن للعامل تحقيق النتيجة في ساعة لكان هذا أنفع للجاعل مما لو حققها بعد شهر.

هـ. وفرق جوهري ثالث نذكره هو أن صيانة الأعطال الطارئة يستحق الصائن فيها الأجرة ولو لم تطرأ أعطال خلال فترة العقد، فعقد الصيانة في هذا الجانب منه يشبه قول جاعل: "من التزم برد بعيري إذا شرد خلال العام القادم فله كذا، وله الجعل على التزامه هذا ولو لم يشرد البعير". وهذا أشبه بعقد التأمين على الأشياء منه بالجعالة.


(١) ر: الموسوعة، مادة جعالة، ١٥/٢١٠، ٢١٥، ٢١٦
(٢) الموسوعة: ١٥/٢١١؛ وحاشية الصاوي على الشرح الصغير: ٢/٢٧٥
(٣) د. خالد رشيد الجميلي: الجعالة وأحكامها.. .، بيروت؛ عالم الكتب: ١٤٠٦هـ ١٩٨٦م. ص٧٩-٨٣؛حيث بين اشتراط المالكية في العمل محل الجعالة أن لا ينتفع به الجاعل إلا بتمامه، وهو يحيل في ذلك إلى مقدمات ابن رشد: ٢/٦٣٥ – ٦٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>