للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥. عقد الصيانة المتلازم مع شراء الأصل المطلوب صيانته:

إن المحذور الفقهي الأول المحتمل في عقد الصيانة المترافق مع شراء الأصل هو إن يقع في نطاق النهي عن صفقتين في صفقة، وكذا النهي عن شرطين في بيع.

وكما هو معلوم، فقد تعددت الاجتهادات في تأويل النهي عن صفقتين في صفقة، وهو أعم بالطبع من النهي عن بيعتين في بيعة (١) . كذا في تأويل النهي عن شرطين في بيع.

فلابد من اعتماد اجتهاد فقهي معين في تأويل ذلك النهي، ليمكن في ضوئه الحكم على عقد الصيانة المترافق مع الشراء.

ولن نستعرض تلك الاجتهادات المتعددة في الموضع، فهي مبسوطة في المراجع الفقهية (٢) .ولكننا نبين ما اعتمدناه منها مع بعض التفصيلات التي لابد منها.

وخلاصة ما اعتمدناه في هذا البحث من الاجتهادات الفقهية في هذا الموضوع هو ما يلي:

٥ /١- في تأويل النهي عن صفقتين في صفقة (وعن بيعتين في بيعة) :

يقول فضيلة د. الضرير بعد استعراضه الآراء الفقهية المتعددة في تأويل النهي عن تعدد الصفقات في عقد واحد:

"إن النص الذي ينهى عن تعدد الصفقة نص عام، وقد رأينا اتفاق الفقهاء على عدم الأخذ بعمومه، واختلافهم فيما يصدق عليه، وهذا يفتح المجال للاجتهاد في تطبيق النص.... (٣) .

ويلاحظ أن د. الضرير في استعراضه ذاك لم يتطرق إلى رأي ابن القيم رحمه الله في النهي عن بيعتين في بيعة، وقد نقلت الموسوعة الفقهية الكويتية قول ابن القيم أن المقصود هو: بعتك هذه بمائه إلى سنة، على أن أشتريها منك بثمانين حالة"هذا معني الحديث الوارد في البيعتين في بيعة وهو الذي لا معنى له غيره (٤) . فابن القيم يرى أنه تأكيد لتحريم بيع العينة.

كيف نميز عقدا مع شرط عن عقدين في عقد لم نطلع على معيار واضح للتمييز. وكثير من الأمثلة التي يضربها الفقهاء لأحدهما تصلح مثالا للآخر (شراء حطب بشرط تكسيره وحملانه، شراء ثوب على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا) .وقد استحسنا أحد الضابطين التاليين:

١. ما كان مقصودا أصليا اعتبر هو العقد، وما كان تبعا له اعتبر شرطا. فإن كان كلاهما مقصودا أصليا (مثلا أبيعك سيارتي هذه على أن تؤجرني دارك لمدة سنة ... ) فهذا صفقتان في صفقة (٥) .

٢. على أن تطبيق الضابط السابق قد يكتنفه صعوبة تمييز الأصل من التبع، ونرى أن أيسر معيار لذلك هو قيمة المثل. فما كانت قيمته أكبر بوضوح عددناه أصلا والآخر شرط. فإن تقاربا في القيمة اعتبرنا ذلك من صور صفقتين في صفقة.

ومع ذلك لابد من الاعتراف بأن النهي عن صفقتين في صفقة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وشرط (عند من يأخذ به الشافعية والحنفية) جميع هذه المناهي أمثلتها متقاربة، بل متداخلة عند الفقهاء في التطبيق العملي. لذا صرح بعض الفقهاء بأن: " ... البيعتين في بيعة، والشرطين في بيع واحد، بمعنى واحد (٦) .

ونحن نصرف هذا النهي إلى تعدد الصفقة الذي يؤدي إلى ممنوع شرعي كالربا أو الحيلة عليه (كالعينة) ، أو إلى الغرر الفاحش الذي لا تدعو إليه حاجة معتبرة، أو إلى غير ذلك من الممنوعات.


(١) الضرير، الغر، ص١١١
(٢) انظر الموسوعة الفقهية الكويتية، مادة بيع – فقرات بيع وشرط؛ والضرير، الغرر، ص١٠٠-١١٨
(٣) ص١١٩،ط٢،١٤١٦هـ - ١٩٩٥م-نشر دلة البركة – جدة
(٤) الموسوعة الفقهية: ٩/٢٦٥
(٥) نشكر د. عبد الرحمن الأطرم على اقتراح هذا الضابط
(٦) هذه عبارة فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي/ الفقه الإسلامي وأدلته: ٤/٤٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>