٤ /٥- عقد الصيانة مقارنا بالاستصناع:
قد يستغرب لأول وهلة مجرد التفكير بشبه بين الصيانة والاستصناع. لكن إمعان النظر بينهما بعض جوانب الشبه، فالاستصناع عند من يميزونه من السلم (وهم الحنفية) يتنازعه تكييفان: أحدهما أن محله هو العمل (١) . واتفقوا على أن مادة المصنوع (أو مواده) يقدمها الصانع في عقد الاستصناع، والمستأجر في الإجارة على عمل. وعليه فإن عقد الصيانة يشبه الاستصناع في هاتين النقطتين، لأن الصائن يقدم العمل والمواد وقطع الغيار، كما يشبه في أن الثمن فيهما قد يكون معجلا أو مؤجلا أو منجما على أقساط (بينما اتفقوا في الجعالة على أن الجعل لا يستحق إلا بتمام العمل) .
ومن جوانب الاختلاف أن الصيانة عقد زمني كما أسلفنا (ف٤/٣/د)
وليس كذلك الاستصناع، كما أنه في الصيانة الطارئة تستحق الأجرة ولو لم تطرأ أعطال تقتضي عملا (انظر ف٤/٣/هـ) ، بينما الاستصناع - على تكييفه بأنه عقد على عمل - لا بد فيه من العمل.
٤ /٦- ترجيح اعتبار الصيانة عقدا مستقلا:
ويبدو لنا في ضوء مقارنة الصيانة بالعقود الأربعة القريبة منها، أنها لا تشبه أيًّا منها تمام الشبه، فيصعب من ثم تطبيق جميع أحكام أحد هذه العقود على الصيانة.
ولعل الأيسر والأبعد عن التكلف اعتبار الصيانة عقدا مستقلا، من صنف عقود الإجارة على العمل، مع تميزه بالخصائص التالية:
أ. محل العقد عمل بعضه وهو الصيانة الدورية، معلوم؛ وبعضه وهو الصيانة الطارئة، مجهول، لكنه مقدر بغاية محددة، هي استبقاء الشيء في حالة يؤدي فيها وظيفته المعتادة.
ب. يقدم الصائن عادة المواد وقطع التبديل. (وهذا خلال الأصل في الجعالة وإجارة الأبدان، ووفق الأصل في الاستصناع) .
وقد يتفق على أن يوفر رب الآلة المواد وقطع التبديل، أو يوكل الصائن بشرائها.
ج. يستحق الصائن الأجرة، طالما حقق غاية العقد والتزم شروطه، بصرف النظر عن ظهور حاجة إلى صيانة طارئة وعن مقدارها. (وهذا يشبه جهالة العمل في الجعالة وتحديد غاية يستحق الجعل ببلوغها، بصرف النظر عن مقدار العمل) .
د. يجوز أن تعجل الأجرة أو تؤجل أو تنجم بحسب الاتفاق (وهذا خلاف الجعالة، ووفاق إجارة الأبدان والاستصناع عند الحنفية) .
هـ. العقد لازم للطرفين ما لم يشترط الخيار (وهذا موافق لإجارة الأبدان والأعيان، وخلاف الأصل في الجعالة والاستصناع) .
و. الصيانة عقد زمني كالإجارة لابد فيه من تحديد المدة (بخلاف الجعالة عند المالكية والشافعية) .
(١) والتكليف الثاني، وهو الأشهر، أنه محله هو المصنوع (الموصوف في الذمة)