للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- أن يأخذ بالقياس الصحيح، وذلك بإلحاق مسكوت عنه بمنصوص عليه لتساويهما في علة الحكم.

الاجتهاد الجماعي:

وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أهمية الاجتهاد الجماعي، خصوصاً في الأعصر المتأخرة، التي ندر فيها وجود العلماء المجتهدين، وكثرت فيها القضايا التي لم تكن معروفة في عصور سابقة، إلى جانب ما للاجتهاد الجماعي من أهمية بالغة في ندرة الخطأ، وكونه أقرب إلى إدراك الصواب، وإلى العصمة عن الخطأ.

فالاجتهاد الجماعي يحقق مبدأ الشورى الذي شرعه الله عز وجل لعباده، بل أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومارسه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] ، ويقول في وصف المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨] .

وأما في ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده للشورى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه يوم أحد في المقام والخروج، وشاور علياً وأسامة رضي الله عنهما فيما رمي به أهل الإفك عائشة رضي الله عنها.

وكان الأئمة يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولاً كانوا أو شباناً (١) .

ومن مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم، ما أخرجه الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان من حديث علي رضي الله عنه، قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} [المجادلة: ١٢] ، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ما ترى؟ دينار، قلت: لا يطيقونه، قال: فنصف دينار ...؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: شعيرة، قال: إنك لزهيد ... فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ ... } [المجادلة: ١٣] ، قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة (٢) .


(١) رواه البخاري تعليقاً، في الاعتصام: ٨ / ١٦٣؛ وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه الأمثلة التي أوردها الإمام البخاري وبين أنها وردت موصولة بطرق صحيحة، بعضها في البخاري وبعضها في غيره؛ الفتح: ١٣ / ٣٤٠.
(٢) فتح الباري: ١٣ / ٣٤٠؛ وقال الحافظ: ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>