للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"والأمر الثانى: أن تكون هذه المصلحة الحقيقية عامة، أى ليست مصلحة شخصية، أى أن بناء الحكم عليها يجلب نفعا لأكثر الناس، أو يدفع ضررا عن أكثرهم، وأما المصلحة التي هي نفع لأمير أو عظيم أو أي فرد بصرف النظر عن أكثر الناس، فلا يصبح بناء التشريع عليها، لأنها إذا كانت عامة كانت مقصودة للشارع، ولو كان فيها مضرة لفرد أو أفراد " (١) .

والمراد أن الشارع جاء لمراعاة المصالح العامة التي تندرج تحتها المصالح الخاصة، فإذا روعيت المصلحة الخاصة، دون مراعاة للمصلحة العامة، فهذا مخالف لمقاصد الشرع، إذ الشارع يراعي المصالح العامة، وإن ترتب عليها مفسدة للفرد، فالضرر الخاص يتحمل دفعاً للضرر العام، ولهذا إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة قدمت المصلحة العامة.

فمثلاً: أوجب الشارع قطع يد السارق، وفي ذلك مفسدة للمحدود، ولكن الشارع راعى هنا مصلحة الجماعة من حيث حفظ الأموال، وهكذا يقال في سائر إقامة الحدود كالحد على الزاني والقاذف وغيرهما ...

"الأمر الثالث: أن تكون هذه المصلحة الحقيقية العامة، لا تعارض نصاً ولا إجماعاً " (٢) .

ذلك أن المصالح الشرعية إنما عرفت بالرجوع إلى الأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة التفصيلية الواردة في الكتاب والسنة، فإذا جاءت المصلحة معارضة للدليل الشرعي، فإذن ذلك يستلزم معارضة المدلول لدليله، وهو باطل، وقد أوجب الله عز وجل التمسك بما جاء في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩] .

{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:١٠٥] .

{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]

{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] .

{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: ٥٤]

فالمصلحة الحقيقية هي المدلول عليها بالنص، كالتي يدل عليها مثل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] ... {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] .

وأيما مصلحة تخالف دلالة مثل هذه النصوص، فهي متوهمة، فدلالة المصلحة على الحكم دلالة ظنية، ودلالة النص قطعية، والظني لا يعارض القطعي.


(١) مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، عبد الوهاب خلاف، ص ١٠٠.
(٢) مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، عبد الوهاب خلاف، ص ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>