للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ظهر من ينادي بتقديم المصلحة مطلقاً حتى على النص والإجماع عند معارضتها لهما، وقد تولى أهل العلم الرد على مزاعمه، وبيان تهافتها وبطلانها، ويحسن هنا أن أنقل نص عبارة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية) في الرد على الطوفي (١) الذي كان أول من ينادي بذلك، حيث يقول: "فهذا الإجماع الذي بدأ منذ عصر الصحابة، لم يزل ساري المفعول لدى مختلف طبقات الأئمة والعلماء على اختلاف آرائهم واجتهاداتهم، إلى أوائل النصف الثاني من القرن السابع الهجري، حيث ظهر في هذه الفترة رجل من علماء الحنابلة اسمه سليمان بن عبد القوي الطوفي ... وما لبث أن نادى في بعض مؤلفاته بضرورة تقديم المصلحة مطلقاً على النص والإجماع عند معارضتها لهما.

فقد ألف كتاباً في شرح الأربعين حديثاً، وأفاض في الكلام عند شرحه لحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) وبعد أن بين فيه أن يقتضي رعاية المصالح إثباتاً، والمفاسد نفياً، وجعل أدلة الشرع في حسابه تسعة عشر دليلاً، قال ما نصه:

"وهذه الأدلة التسعة عشرة أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة أو يخالفاها، فإن وافقاها فبها ونعمت ولا نزاع، وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتئات عليهما والتعطيل لهما ".

وعمدة دليله على كلامه هذا، اعتباره المصلحة دليلاً أقوى من كل من النص والإجماع، فهو يقول: إن رعاية المصلحة أقوى من الإجماع، ويلزم من ذلك أنها أقوى أدلة الشرع، لأن الأقوى من الأقوى أقوى.

وجعل عمدة دليله على أن المصلحة مقدمة في الرعاية على النص والإجماع أمرين:

أحدهما: أن منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح، فهي إذًا محل وفاق، والإجماع محل خلاف، والتمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه.

ثانيهما: أن النصوص مختلفة متعارضة، فهي سبب الخلاف في الأحكام المذمومة شرعاً، ورعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعاً، فكان اتباعه أولى.

مناقشة هذه الأوهام وردها:

وقبل أن نرد على ما تخيله من أدلة لزعمه هذا، ينبغي أن نشير للقارئ إلى ما وقع فيه هذا الرجل من تناقض عجيب، وهو يقرر أدلته هذه.


(١) قال ابن العماد في شذرات الذهب: ٦ / ٣٩ – ٤٠: نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري، ثم البغدادي الحنبلي الأصولي المتفنن، ولد سنة بضع وسبعين وستمائة، بقرية طوفا من أعمال صرر، ثم ذكر حياته العلمية ومؤلفاته، وأعقب ذلك بقوله وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفاً في الاعتقاد عن السنة .... حتى أنه قال عن نفسه: أشعري حنبلي رافضي، هذه إحدى العبر، ووجد له في الرفض قصائد، ويلوح به في كثير من تصانيفه، حتى أنه صنف كتاباً سماه: العذاب الواصب على أرواح النواصب ... قال تاج الدين أحمد بن مكتوم: اشتهر عنه الرفض والوقوع، في أبي بكر رضي الله عنه، وابنته عائشة رضي الله عنها، وفي غيرهما فمن جلَّة الصحابة. اهـ. مات سنة ٧١٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>