للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما سبق يتبين أن العرف ملزم، إذا ترتب عليه حق، وتوفرت فيه الشروط السابقة.

رفع الحرج:

ومما ينبغي مراعاته، أن الشارع قصد إلى عدم إيقاع المكلف في الحرج والمشقة، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] .

وفي الحديث: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم؛ أمرهم بما يطيقون، قالوا: إنا ليس كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: ((إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)) (١) .

وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، فقال: من هذه ...؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: ((مه عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا ... "،: وكان أحب الدين إليه ما دوام عليه صاحبه)) (٢) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إياكم والوصال)) – مرتين – قيل: إنك تواصل، قال: ((إني أبيت يطعمني ربي، وسيقيني، فاكلفوا (٣) من الأعمال ما تطيقون)) (٤) .

وفي لفظة له أيضاً: "فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً، ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر لزدتكم)) (٥) ... كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا.

وعند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل "...؟ فقلت: نعم، قال: ((إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس)) .

وفي لفظ قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك)) (٦) .

ومع ذلك فإن مطلق المشقة لابد حاصلة في كل عبادة يمارسها العبد، بل إن الجنة لا تنال إلا باقتحام المكاره، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)) .


(١) البخاري في الإيمان: ١ / ١٠؛ وأحمد: ٦ / ٥٦.
(٢) البخاري في الإيمان: ١ / ١٦؛ وأحمد: ٦ / ٥١.
(٣) في فتح الباري: ١١ / ٢٩٨ – ٢٩٩، قال ابن التين: هو في اللغة بالفتح، ورويناه بالضم، والمراد به: الإبلاغ بالشيء إلى غايته.
(٤) البخاري، في الصوم: ٢ / ٢٤٣.
(٥) البخاري، في الصوم: ٢ / ٢٤٣.
(٦) البخاري في الصوم: ٢ / ٢٤٥ – ٢٤٦؛ ومسلم برقم (١١٥٩) ، ومعنى هجمت، غارت ودخلت فيم وضعها، وقوله (نفهت) ولفظ مسلم (نهكت) ومعناهما واحد: ضعفت وأعيت وكلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>