الفارق المتميز بين مدرسة أهل الرأي بالكوفة أو العراق بزعامة الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، وبين مدرسة أهل الحديث في المدينة أو الحجاز بزعامة الإمام مالك: هو أن فقه المدرسة الأولى يعني ببحث الاحتمالات أو الافتراضات النظرية التي شعبت الفقه وضخمته وعقدته، وأعيت المقلدين والأتباع بحفظ أجوبة المسائل والحوادث التي تتجاوز عشرات الآلاف، وأما فقه أهل الحديث فيقتصر على بحث الحالات الواقعية والمسائل المستجدة.
والنوازل أو الواقعات أو العمليات: هي المسائل أو المستجدات الطارئة على المجتمع، بسبب توسع الأعمال، وتعقد المعاملات، والتي لا يوجد نص تشريعي مباشر أواجتهاد فقهي سابق ينطبق عليها. صورها متعددة، ومختلفة بين البلدان أو الأقاليم، لاختلاف العادات والأعراف المحلية.
فقد تنشأ مسألة أو نازلة تندثر، وقد تثار قضية في بلد أو إقليم لا تحدث في بلاد أو أقاليم أخرى، وقد تكون المسألة عامة، كالأعراف العامة غير المقصورة على بلد، وإنما تعم البلاد الإسلامية كلها أو أكثرها.
قال الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز:"تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ".
الفرق بين الإفتاء والقضاء:
القضاء: إصدار الحكم في الخصومة أو المنازعة من القاضي أو الحاكم لفصل النزاع، ويكون ملزماً للمتخاصمين، وينفذ الحكم القضائي بقوة الحكومة (السلطة التنفيذية) لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وتحقيق الاستقرار، ومنع استمرار النزاع أو الخصام.
أما الإفتاء: فهو إخبار المفتي بحكم الله تعالى بما يجده في الأدلة من حكم الله تبارك وتعالى إما صراحة من النصوص الشرعية، وإما استنباطاً من قبل المجتهد.
والقضاء يحكم دائماً على ظواهر الأشياء، فيقال: هذا شيء يجوز قضاء لا ديانة، والمفتي يعنى بأمور الديانة، والحاكم يعتمد على طرق الإثبات، قال القرافي: الحاكم يتبع الحجاج، وهي جمع حجة، والحجة: الدليل والبرهان، والحجاج: البينة والإقرار ونحوهما من القرائن، والقضاء بشاهد ويمين المدعي، والنكول:(الامتناع عن اليمين) ، وعدد القرافي الحجاج في كتابه (الفروق)(١) فبلغت نحو العشر.