للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧- أخذ زكاة الأراضي: وهو العشر من المستأجر دون المؤجر، أفتى به الصحابان خلافاً لرأي الإمام أبي حنيفة، لأنه أحسن للزمان وأكثر فائدة، وأعظم جدوى بالنسبة للفقراء، ولأن الزكاة تؤخذ من الزرع، فتتبع مالك الزرع، وهو هنا المستأجر، علماً بأن أبا حنيفة كان يرى العشر على المؤجر، لأن الزكاة مؤنة الملك، وملك الأرض للمؤجر.

هذه الأمثلة ونحوها كبيع الوفاء (١) ، ودخول الحمام من غير بيان مدة المكث ومقدار الماء المستهلك، والإعفاء عن طين الشارع للضرورة، اختلفت أحكامها لاختلاف عادات أهل الزمان وأحوالهم.

٨ – عارض المدونية: الأصل المقرر عند الحنفية وغيرهم أن تبرعات المدين نافذة، ولو استغرقت ديونه أموله كلها، وهذا مقتضى القياس، ثم لما فسدت الذمم، ولجأ المدينون لتهريب أموالهم من وجه الدائنين من طريق وقفها أو هبتها لأقاربهم، أفتى متأخرو الحنفية والحنابلة بعدم نفاذ هذه التبرعات إلا فيما يزيد عن وفاء ديونهم.

٩- الأصل المقرر عند الحنفية عدم ضمان منافع الغصب، سواء استوفاها الغاصب أو عطلها، مثل ركوب الدابة، وسكنى الدار، وزراعة الأرض، ثم استثنى متأخرو الحنفية ثلاثة مواضع يجب فيها أجر المثل، وهي أن يكون المغصوب مال وقف، أو مال يتيم، أو شيئاً معداً للاستغلال، بأن بناه صاحبه أو اشتراه لذلك الغرض (٢) .

١٠- الأصل في المذهب الحنفي والشافعي أن القاضي يقضي بعلمه الشخصي في الوقائع، في الأظهر عند الشافعية، إلا في الحدود والقصاص، ثم أفتى المتأخرون – وأشار الشافعي لذلك – بأن القاضي لا يقضي بعلمه الشخصي مطلقاً للتهمة (٣) .

وجاء في المعيار المعرب: قال العبدوسي: لا يحكم القاضي بعلمه في التسفيه بإجماع، وإنما يحكم بعلمه بعد ثبوته ببينة عدلة، هذا والحكم المقرر عند المالكية والحنابلة: أنه لا يقضي الحاكم بعلم نفسه في حد ولا غيره، إلا فيما علمه في مجلس القضاء (٤) ، وهذا هو المقرر في القوانين الوضعية؛ حيث يقضي القاضي بعلمه في جرائم الجلسات.

أمثلة التطورات:

١- تدون السنة النبوية: دونت السنة النبوية، في مطلع القرن الثاني الهجري، بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، خوفاً من ضياعها بموت رواتها وحفظتها، لأن أسلوب الكتاب أثبت وأدوم من حفظ الذاكرة علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم في بدء أمره ودعوته نهى عن كتابة أحاديثه، حتى لا تختلط بالقرآن، وقال لأصحابه: ((لا تكتبوا عني شيئاً، ومن كتب غير القرآن فليمحه)) (٥) .

٢- ظاهرة السجلات العقارية أو العينية: كان من المقرر فقهاً ضرورة وصف المبيع بحدوده الأربع، ووجود التسليم، أي التخلية، فلما ظهر نظام السجل العقاري، أصبح بيان الحدود الأربعة عبثاً، واستقر الاجتهاد القضائي على حصول التسليم بمجرد تسجيل العقد في السجل العقاري، وبالتسجيل تنتقل تبعه ضمان هلاك المبيع، من عهدة البائع إلى عهدة المشتري، أخذاً بتطور أساليب التنظيم والضبط المحققة للمراد، بدلاً من التسليم الفعلي للعقار الذي كان لابد منه، بل إن الدولة لا تعترف بانتقال ملكية العقارات إلا بهذا التسجيل، وليس بمجرد التعاقد.


(١) بيع الوفاء: هو أن يبيع المحتاج إلى النقد عقاراً، على أنه متى وفى الثمن، استرد العقار.
(٢) تنقيح الفتاوى الحامدية: ٢ / ١٦٨، ١٧٣؛ الدر المختار ورد المحتار: ٥ / ١٤٤ – ١٤٥.
(٣) الدر المختار ورد المحتار: ٤ / ٣٦٩؛ مغني المحتاج: ٤ / ٣٩٨.
(٤) المعيار المعرب: ٩ / ٢٥٧؛ بداية المجتهد: ٢ /٤٥٨ وما بعدها؛ المغني: ٩ / ٥٣ وما بعدها.
(٥) رواه مسلم في صحيحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>