للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعرف حجة في الشريعة، فتفهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة بدلالة العرف القائم حين ورود النص، ولا يلتفت لتبدل الأعراف، ويخصص النص عند الحنفية والمالكية بالعرف العام العملي، فلا تلزم المرأة الشريفة بالقدر بإرضاع ولدها، ويقصد بالطعام الذي يحرم في الربا البر، كما يخصص القياس، ويترك النص المذهبي بالعرف الخاص المعارض له، فيحكم بطهارة خرء الحمام في المسجد، وتصح الإجارة المشروطة بشرط متعارف عليه، ويباح استقراض الخبز عدداً للتعامل به بين الجيران، ويجوز بيع دود القز والنحل لتعامل الناس به، وللأب أو الجد قبض مهر البنت البكر البالغة، للعرف والعادة، ما لم تنهَ عن ذلك (١) .

وتترك القاعدة الفقهية الكلية أو الاستحسان أو الاستصلاح بالعرف العام، لعموم الحاجة، ورعاية المصلحة العامة، لأن (العادة محكمة) (٢) و (استعمال الناس حجة يجب العمل بها) (٣) و (المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة) و (العرف بمنزلة الإجماع شرعاً عند عدم النص) ، كما ذكر الكمال بن الهمام (٤) .

وهناك إحدى عشرة قاعدة تدل على حجية العرف، وهي معروفة (٥) .

ومن فتاوى الفقهاء المبنية على العرف والعادة ما يلي:

- الأيمان ولا نذور مبنية على العرف، وكذا ألفاظ الطلاق والزواج، وقد يراد بالطلاق الزجر المحض دون قصد التطليق، مثل (عليَّ الطلاق) أو (عليّ الحرام) .

والطلاق المعلق على شيء إن كان يراد به الحث على فعل شيء أو الترهيب من فعل شيء، ولم يقصد به تطليق المرأة، ليس طلاقاً في رأي ابن تيمية، وإنما هو يمين فيه كفارة يمين.

وقال ابن حجر: كلمة (عليّ الحرام) أصبحت من صرائح ألفاظ الطلاق عرفا، وليس من ألفاظ الكنايات التي تحتاج إلى نية، فإذا تقدم ذكر المرأة فهو طلاق صريح، ومع عدم تقدمها: كناية في الزوجة (٦) .

- وألفاظ الواقفين تبنى على العرف، مثل تعيين ناظر على الوقف، ومثل كلمة: (على الفريضة الشرعية) ، يراد بها إعطاء الذكر ضعف الأنثى.

- والبيع بثمن قليل رمزي يعد هبة، والهبة بعوض معلوم بيع، وبيع الثمار على الأشجار بلفظ الضمان أو التضمين في بلاد الشام بيع. د

وقد يعبر العوام عن شرط البراءة عن العيوب في بيع السلعة، كسيارة ونحوها بعبارة (كوم عظام) أو (حاضر حلال) ونحو ذلك.

- وتدخل عرفاً توابع المبيع في البيع، كأدوات إصلاح السيارة، ومضخة استخراج الماء في بيع البستان، وآلات غلي الماء في بيع الحمام.


(١) رسائل ابن عابدين: ٢ / ١١٦؛ العرف والعادة للشيخ أبي سنة، ص ١٠١ – ١٠٢.
(٢) المجلة: م ٣٦.
(٣) المجلة: م ٣٧.
(٤) فتح القدير: ٦ / ٥٧.
(٥) الأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٨٠ – ٩٠؛ الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص ١٠١ – ١١٢
(٦) فتاوى ابن حجر: ٤ / ١٣٢ – ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>