للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضابط الثالث – الاستحسان:

وبه قال الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو ينحصر في أمرين:

١- ترجيح قياس خفي على قياس جلي، بناء على دليل.

٢- استثناء مسألة جزئية من أصل كلي أو قاعدة عامة، بناء على دليل خاص يقتضي ذلك. والكلام في الاستحسان هنا يقتصر على استحسان الفقيه المستنبط الذي يطبق نصوص الشارع ويقيس عليها، ويستحسن على وفقها بالعدول عن حكم القياس، مستلهمًا من غرض الشارع ومقاصد شريعته، وهذا يشمل نوعين فقط، وهما: الاستحسان القياسي، واستسحان الضرورة (١) . وقد ذكرت أمثلة النوع الثاني في مراعاة الضرورة.

وأمثلة الاستحسان بالقياس الخفي: الحكم بطهارة سؤر سباع الطيور الجوارح، لأن المنقار عظم طاهر، وتشبيه الوقف بالإجارة في إفادة كل منهما مجرد الانتفاع بالعين، لأن المقصود من الوقف هو مجرد الانتفاع، وذلك لا يتحقق إلا بدخول حقوق الارتفاق في الوقف، دون نص عليها. كالمسيل والشرب والطريق والمرور.

واستحسان المصلحة: يدخل تحت مبدأ أو قاعدة المصلحة المرسلة، مثل صحة وصية المحجور عليه لسفه في سبيل الخير، لأن الوصية لا تفيد الملك إلا بعد وفاة المحجور عليه، ولأن الوصية التي لا تنفذ إلا من الثلث، لا تكون نافذة إلا بعد وفاء الديون، فاستثنيت الوصية من الأصل العام لمصلحة جزئية: وهي تحصيله الثواب وجلب الخير للمحجور عليه، مع عدم الإضرار به في حياته.

الضابط الرابع – مراعاة الأعراف والعادات:

العرف: هو ما اعتاده الناس، وساروا عليه، من كل فعل شاع بينهم، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماعه، وهذا يشمل العرف العملي والعرف القولي.

وهو بحسب إطاره أو شموله إما عرف عام وإما عرف خاص.

والعرف العام: هو الشائع في أغلب البلاد أو كلها بين الناس، على اختلاف أزمانهم وبيئاتهم كالاستصناع، وبيع المعاطاة، وقسمة المهر إلى معجل ومؤجل، وتقديم الإكرامية (البقشيش) للخدم في المطاعم والفنادق، ودخول الحمامات العامة والمسابح من غير تحديد مقدار الماء المستعمل ومدة المكث.

والعرف الخاص: هو الذي يختص ببلدة معينة أو فئة من الناس، كأهل حرفة ما دون غيرها، وهذا يتجدد بتجدد الأزمنة واختلاف الأمكنة، كعرف التجار فيما يعد عيباً يجيز الفسخ أو الرد، ودفع أثمان البضاعة المؤجلة من تاجر الجملة كل يوم خميس، وتقسيط ثمن البضاعة أقساطاً معلومة، ودفع الأجرة شهريا أو كل ثلاثة أو ستة شهور أو سنوياً، وتجديد عقد الإيجار تلقائياً بقوة القانون، ودفع أجر المحامي على قسطين: قسط عند التوكيل، وقسط بعد فصل الدعوى في المحكمة.

ومنه: الاصطلاحات الخاصة بكل فن أو علم كاصطلاح الفقهاء، وعبارات الواقفين، والتجار والزراع والصناع، ويلاحظ أن أكثر فتاوى النوازل أو الواقعات تكون بسبب التأثر بالأعراف العامة، أو الخاصة في بلد أو إقليم أو قطر.


(١) المدخل الفقهي للأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا: ف ١٥ – ١٧، ٣٠ –٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>