للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمثلتها من الفتاوى لدى الصحابة الكرام: جمع المصحف الشريف في عهد أبي بكر وعثمان، وتضمين الصناع مع أنهم أمناء، حفاظاً على أموال الناس، ومنع التهاون بها، وتجميد سهم المؤلفة قلوبهم من الصدقات، لعدم الحاجة إلى التأليف بعد أن عز الإسلام، وعدم تطبيق حد السرقة عام الرمادة (المجاعة) ، وإمضاء الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ثلاثاً زجراً عن كثرة استعماله، ووضع الخراج على الأراضي المفتوحة عنوة وتركها بيد أهلها، وتدوين الدواوين، واتخاذ السجون، وتوريث الزوجة المطلقة في مرض الموت (طلاق الفرار) .

ومن أمثلتها ما يلي:

عند الحنفية تحت ستار الاستحسان المصلحي (١) : مشروعية دفع القيمة في الزكاة وفي اليمين والنذر والكفارة، وقصر خمس الغنائم على الفقراء دون غيرهم ولو من ذوي القربى، وتضمين القابض على سوم الشراء، ونحو ذلك.

وعند الشافعية (٢) : قياس جميع المسكرات المشروبة أو المأكولة على الخمر في التحريم، فرض الخراج على الأغنياء عند خلو بيت المال، وقتل الأسارى المسلمين إذا تترس بهم العدو، وإعطاء المظنة حكم المظنون قياساً على الخلوة بالأجنبية، وقال عز الدين بن عبد السلام: الاعتماد في جلب معظم مصالح الدارين، ودرء مفاسدهما، على ما يظهر في الظنون (٣) .

ومن فتاوى المتأخرين من الحنفية عملاً بالمصلحة: إقرار مشايخ بخارى وسمرقند بيع الوفاء في أواخر القرن الخامس الهجري، الذي يشبه ثلاثة عقود:

البيع الصحيح، والبيع الفاسد، والرهن، وهو في الحقيقة رهن، فأعطى من كل واحد من هذه العقود ما يناسب غايته من الأحكام، قال النسفي في فتاواه: "البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالاً للربا، وسموه (بيع الوفاء) هو في الحقيقة رهن "والصحيح إن كان بلفظ البيع لا يكون رهناً، وهو عند الصحابين: بيع غير لازم (٤)

-ومثل ذلك إقرار العمل بعقد الاستصناع (٥) . والرهن المستعار: وهو أن يستعير الإنسان شيئاً من صديقه، لا ليستعمله، بل ليرهنه ويستدين به، وهو عقد لازم، مع أن الأصل في عقد الإعارة أنه عقد تبرع غير لازم، فيفسخه المعير متى شاء، والعارية أمانة لا تضمن بالهلاك عند الحنفية، وهذا المرهون مضمون (٦) .

- وأفتى الحنفية (٧) . بجواز فسخ الإجارة بالأعذار، من جانب المؤجر أو المستأجر، أو العين المؤجرة، نزولاً تحت وطأة المصلحة.

- وأفتى بعض المعاصرين (الأستاذ مصطفى الزرقا) خلافاً لاتجاه وقرارات المجامع الفقهية بجواز عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت.

والاستصناع عند غير الحنفية تنطبق عليه قواعد عقد السلم، أو العرف في بعض أحكامه، قال شيخ الإسلام العز بن عبد السلام:

استصناع الصناع الذين جرت عادتهم بأنهم لا يعملون إلا بالأجرة إذا استصنعهم مستصنع من غير تسمية أجرة؛ كالدلال والحلاق والقاصد، والحجام والنجار والحمال والقصار، فالأصح أنهم يستحقون من الأجرة ما جرت به العادة، لدلالة العرف على ذلك (٨)


(١) مقاصد الشريعة للدكتور حسين حامد: ٢ / ٦٠٤.
(٢) المستصفى: ١ / ١٣٩ وما بعدها.
(٣) قواعد الإحكام: ١ / ٣.
(٤) الفتاوى الهندية: ٣ / ١٧٨.
(٥) الفتاوى الهندية: ٣ / ١٧٧.
(٦) البدائع ٦ / ١٤٦؛ تبيين الحقائق: ٦ / ٨٨؛ الدر المختار: ٥ / ٣٦٥.
(٧) الفتاوى الهندية: ٤ / ١٩٨ وما بعدها؛ ٤٥٨ وما بعدها: ٤٦٣؛ تكملة فتح القدير: ٧ / ٢٢٢ وما بعدها.
(٨) قواعد الأحكام: ٢ / ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>