للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضابط العاشر – منع النزاع والخصام:

تتفق مهمة القاضي والمفتي في إنهاء المنازعة وتسوية الخصومة، وتحقيق الاستقرار، والطمأنينة فيما بين الناس في معاملاتهم ورعاية حقوقهم. وهذا هو الهدف الأساسي أو مقصد الشريعة العام في تشريع المعاملات (العقود والتصرفات) واشتراط شرائط معينة، والحكم بصحة العقد أو بطلانه أو فساده، مما أدى إلى ظهور طائفة من البيوع المنهي عنها ومن هذه الضوابط والشروط: اشتراط القبض في التبرعات، ومع بيع الشيء قبل القبض، ومنع الغرر والجهالة تحقيقاً لاستقرار التعامل، وتحريم الربا بسبب الاستغلال وظلم أحد الطرفين العاقدين للآخر. وعلى المفتي مراعاة ذلك كله في اجتهاده أو فتواه.

التزام النصوص:

وكما يلتزم المفتي بالضوابط السابقة، يلتزم قبل كل شيء بالحكم بما تدل عليه النصوص الشرعية بحسب دلالتها مباشرة أو بحسب ظواهرها العامة، أي بنصها أو ظاهرها، فإن أول ما يجب البحث فيه عن حكم المسألة هو في النصوص من كتاب أو سنة، كما كان يفعل الصحابة الكرام في اجتهادهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن أمثلة الفتاوى أو النوازل في هذا ما يأتي:

- تمليك الدين ممن ليس عليه الدين باطل إلا في ثلاث: حوالة، ووصية، وإذا سلطه، أي سلط المملك غير المديون على قبضه، أي قبض الدين (١) . والنص الذي ينبغي مراعاته هو: ما رواه الدارقطني عن ابن عمر: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ)) أي الدين بالدين.

- لا تصح إجازة الورثة في حياة الموصي وإنما بعد الموت تصح ولا رجوع (٢) ، وهذا تطبيق للحديث: ((لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة)) (٣) أي بعد موته، لأن الشخص لا يسمى وارثاً، إلا بعد الموت، وهذا نص على أن الوصية للوارث، إنما لم تجز لحق بقية الورثة، لا لحق الشرع، كالوصية بما زاد على الثلث للأجنبي، لم تجز لحق الورثة، لأن حقهم تعلق بثلثي المال في مرض موته، بدليل أن لهم أن يقضوا تصرفه شرعاً في ثلثي ماله، ونقض التصرف في ملك الغير يدل على تعلق الحق لهم به، ولا تصح إجازتهم في حياة الموصي، وتصح بعد موته، وليس لهم أن يرجعوا بعد الإجازة، وإن لم يقبض الموصي له وصيته، لأن الوصية قبل موت الموصي غير لازمة، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، فبالإجازة لا تصير لازمة منبرمة، فيجب أن تكون الإجازة بمثابتها غير لازمة، يمكن للورثة الرجوع عنها.

- من أجر نفسه للقراءة على المقابر بأجر معلوم، ليقرأ في كل يوم وليلة جزءاً من القرآن، أجاب ابن المكوي المالكي بأن هذه بدعة، وهي مكروهة، وليست بحرام (٤) ، لأن القربات الدينية الأصل الشرعي ألا تقبل النيابة، وهي مقصورة الثواب على فاعلها.


(١) تنقيح الفتاوى الحامدية: ٢ / ٢٩.
(٢) تنقيح الفتاوى الحامدية: ٢ / ٣١٤.
(٣) رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(٤) المعيار: ٨ / ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>