للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضابط التاسع – إحقاق الحق:

العدالة تكون حال الفصل في المنازعة بين خصمين، وأما إحقاق الحق فهو أعم من ذلك، فقد لا تكون هناك منازعة بين الخصوم، وإنما الأمر يقتضي إرساء معالم الحق وإبطال الباطل بين الناس، ولو لم يكن هناك خصومة أو ادعاء، مثل رد المظالم الذي قام به الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، إحقاقا للحق، ودفع الظلم.

ومثل القضاء ببقاء الحق لصاحبه ولو طال الزمان، لأن التقادم (وضع اليد على مال مملوك لغيره مدة طويلة) لا يثبت الملك ولا يزيله، لأن الإسلام لا يقر التقادم المكسب على أنه سبب لكسب الملكية، وإنما هو مجرد مانع للقاضي – لا المفتي – من سماع الدعوى بالحق الذي مضى عليه زمن معين.

وهو كما ذكرت المجلة (م١٦٦١ – ١٦٦٢) في الحقوق الخاصة (١٥) سنة، وفي الأراضي الأميرية (١٠) سنوات، وفي الأوقاف وأموال بيت المال (٣٦) سنة (١) ، توفيراً لوقت القضاة، وتجنباً لما يثار من مشكلات الإثبات، وللشك في أصل الحق.

أما أصل الحق فيجب الاعتراف به لصاحبه وإبقاؤه له ديانة أو إفتاء، فمن وضع يده على مال مملوك لا يملكه شرعاً. كذلك لا يقر الإسلام التقادم المسقط للحق بترك المطالبة به مدة طويلة، فاكتساب الحقوق وسقوطها بالتقادم حكم ينافي العدالة والحق، ويصير واضع اليد (الغاصب أو السارق) مالكاً في عرف القضاء، لا في الديانة.

لكن الإمام مالك في المدونة خلافاً لمعظم أصحابه يرى إسقاط الملكية بالحيازة، كما يرى تملك الشيء بالحيازة، ولكنه لم يحدد مدة للحيازة، وترك تحديدها للحاكم، ويمكن تحديدها، عملاً بحديث مرسل رواه سعيد بن المسيب مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن زيد بن أسلم وهو: ((من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين، فهو أحق به منه)) (٢) ".


(١) وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية ٢ / ٨: لا تسمع دعوى الوقف بعد مضي ثلاث وثلاثين سنة، ولا تسمع دعوى القضاء بعد مضي عشرين سنة، ولا تسمع دعوى قريب الواقع أنه مالك لدار موقوفة بالإرث بعد مضي خمس عشرة سنة، وهو يعلم بالوقف، وهما في بلدة واحدة.
(٢) بحث الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عبد الجواد، ص ١٨، ٥٠ وما بعدها، ٦٠، ١٠٨، ١٥٠؛ المدونة لمالك: ١٣ / ٤٣؛ تبصرة الحكام على هامش فتح أعلى المالك: ٢ / ٣٦٢ وما بعدها، ٢ / ٢١٤، ط دار الفكر – بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>