للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرافي: ينبغي للمفتي إذا ورد عليه مستفت لا يعلم أنه من أهل البلد الذي منه المفتي، وموضع الفتيا أن لا يفتيه بما عادته يفتي به حتى يسأله عن بلده، وهل حدث عندهم عرف في ذلك البلد في هذا اللفظ اللغوي أم لا؟.

وإن كان اللفظ عرفياً فهل عرف ذلك البلد موافق لهذا البلد في عرفة أم لا؟ وهذا أمر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء (١) .

والآن يصل بنا الكلام إلى (فقه التخريج) ، ولنبدأ بالتأريخ له فنقول وبالله التوفيق:

تاريخ التخريج:

التخريج في مرحلته الأولى:

إن التخريج – باعتباره تفريعاً على آراء الأئمة وبيان مبنى الخلافات القائمة بينهم – كان ملازما لنشأة المذاهب الفقهية من قبل تلامذة الأئمة ثم من جاء بعدهم من العلماء ... يخرجون أحكام الوقائع الجديدة التي لم يرد بشأنها شيء عن الإمام قياساً على وقائع جزئية منصوص على حكمها من قبل الإمام، أو على قواعده والأسس التي استخدمها في الاستنباط.

وبناء عليه يمكننا القول بأن محمد بن الحسن (- ١٨٩ هـ) وأبا يوسف (-١٨٢هـ) وغيرهما من تلاميذ أبي حنيفة (- ١٥٠ هـ) كانا من المخرجين على مذاهب إمامهما ... وإن كانا من المجتهدين اجتهاداً مطلقاً منتسباً.

كما أن عبد الله بن وهب (-١٩٧ هـ) وعبد الرحمن بن القاسم (-١٩٢ هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي (-٢٢٤ هـ) وأسد بن الفرات (٢١٣- هـ) وعبد السلام بن سعيد الملقب بسحنون (- ٢٤٠هـ) من أتباع مالك رحمه الله (-١٧٩ هـ) من المخرجين على مذهبه أيضاً.

ومثل هؤلاء تلامذة الإمام الشافعي رحمه الله (- ٢٠٤ هـ) كالحسن بن محمد الزعفراني (-٢٦٠ هـ) وأبي علي الحسن بن علي الكرابيسي (- ٢٤٥ هـ) وإسماعيل بن يحيى المزني (- ٢٦٤ هـ) وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي (-٢٣١ هـ) والربيع بن سليمان المرادي (- ٢٧٠ هـ) .

- وكذلك تلامذة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (- ٢٤٠هـ) ، الذين نقلوا آراءه؛ كابنه عبد الله (٢٩٠هـ) وابنه صالح (-٢٦٦هـ) والآخرين الذين أخذوا عنه أو عن تلاميذه، كأحمد بن محمد بن عبد العزيز المروزي (-٢٧٥هـ) وأبى إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (- ٢٨٥ هـ) وأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف بالخلال (- ٣١١هـ) وأبي القاسم عمر بن حسين المزني (- ٣٤٣ هـ) . ... وغيرهم. ومن الممكن أن نلحظ هذا في سائر المذاهب الفقهية.

فعلماء هذا الدور ومن جاء بعدهم جمعوا الآثار ورجحوا الروايات وخرجوا علل الأحكام واستخرجوا من شتى المسائل والفروع أصول أئمتهم وقواعدهم التي بنوا عليها فتاويهم (٢) .

ومن أقدم الكتب المؤلفة في هذا الباب: (تأسيس النظائر) لأبي الليث السمر قندي (- ٣٧٣ هـ) ، ثم جاء بعده أبو زيد الدبوسي (- ٤٣٠ هـ) ؛ فصنف كتابه (تأسيس النظر) منسج على منوال السمرقندي، وبعد ما يزيد على قرنين ظهر كتاب (تخريج الفروع على الأصول) لشهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني (- ٢٥٦هـ) وقد ادعى قائلاً: حيث لم أرَ أحداً من العلماء الماضين والفقهاء المتقدمين من تصدى لحيازة هذا المقصود (٣) ! ولكن هذه الدعوى يخدشها ظهور الكتابين السابقين. . .


(١) القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ص ٢٤٩.
(٢) الخضري، تاريخ التشريع، ص ٣٣٠.
(٣) الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، ص ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>