للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات – ولكن عنده في تقرير أدلته وتحرير أقيسته – فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص إمامه وتفريع المجتهدين في مذهبه (١) .

مجتهد الفتوى والترجيح:

وهو النوع الرابع من أنواع المجتهدين، وهم الطبقة التي تلي أصحاب الوجوه، الذين لم يصلوا درجتهم في حفظ المذهب، والتمرس بأصوله وقواعده، والارتياض في الاستنباط، وغير ذلك من مسالك الاجتهاد ووسائله.

إلا أنه لأن يكون المجتهد في هذه المرتبة، لابد أن يكون فقيه النفس، حافظاً للمذهب، عارفاً بأقوال الأصحاب وأوجههم،، مدركاً لتعليلاتهم وأدلتهم، متمرساً بأدلة المذهب، يتمكن من تحرير المسائل وتقريرها، وترجيح بعض الأقوال على بعضها الآخر، وتزييف الضعيف منها.

قال ابن الصلاح: وهذا لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه، لكنه فقيه النفس، حافظ مذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، يصور ويحرر، ويمهد ويزيف ويرجح.

لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب، أو الارتياض في الاستنباط، أو معرفة الأصول ونحوها من أدلتهم.

قال: وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة من المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه، وصنفوا فيه تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا الذين قبلهم في التخريج.

وأما فتاويهم، فكانوا يتبسطون فيه تبسط أولئك أو قريباً منه، ويقيسون غير المنقول عليه، غير مقتصرين على القياس الجلي.

ومنهم من جمعت فتاويه، ولا تبلغ في التحاقها بالمذهب فتاوى أصحاب الوجوه (٢) .

* من له حق الفتوى والتخريج عند فقهاء المالكية:

رأي الشاطبي في شروط الاجتهاد:

مع توفر شروط الاجتهاد لابد من التقوى المذكورة في قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩] ، والتي يعبر عنها بالحكمة ويشير إليها قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩] .

قال مالك: من شأن ابن آدم أن لا يعلم ثم يعلم، أما سمعت قول الله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩] . وقد كره مالك كتابة العلم – يريد ما كان نحو الفتاوى – فسئل: ما الذي نصنع؟ فقال: تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم ثم لا تحتاجون إلى الكتاب.

وقال الشاطبي: إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين:

فهم مقاصد الشريعة، والتمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها (٣) .

* من له حق الفتوى والتخريج عند فقهاء الحنابلة:

تقسيم ابن قيم الجوزية (- ٧٥١ هـ) :

جعل فيه الذين نصبوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام هي:

المجتهد المطلق، والمجتهد المقيد في مذهب من ائتم به، والمجتهد في مذهب من انتسب إليه، والمقلد تقليداً محضاً، وبذلك يكون متبعاً لابن الصلاح في منهجه، لكنه طوى إحدى الطبقات في الطبقة التي قبلها، فجعل أهل التخريج – وهم أصحاب الوجوه والطرق – وأهل الترجيح طبقة واحدة. هي طبقة المجتهد في مذهب من انتسب إليه.


(١) النووي، المجموع: ١ / ٧٠ – ٧٤.
(٢) المجموع: ١ / ٧٣؛ وجمع الجوامع: ٢ / ٣٨٥.
(٣) الموافقات: ٤ / ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>