للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمى أهل الفتوى المقلدين تقليداً محضاً (١) .

وخلاصة القول: أن المصنفين في طبقات الفقهاء اتفقت كلمتهم على أن أهل التخريج يعدون من المجتهدين، وما جاء في تقسيم ابن كمال باشا حيث نعت طبقة أهل التخريج بالمقلدين ... لم يكن معنياً به المخرجين الذين نحن بصدد الكلام عنهم، بل المخرجون – الذين هم موضوع بحثنا – هم الذين ذكرهم في الطبقة الثالثة ... وسماهم المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب (٢) .

وقال: أول من وقع عن الله هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [سورة ص: ٨٦] ، فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم جوامع الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب.

ثم قام بالفتوى من بعده برك الإسلام، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم.

وقال: وكما أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها ... فهم سادات المفتين العلماء (٣) .

وقال: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من كتاب الله والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى (٤) .

الإفتاء في النوازل هو التوقيع عن الله:

قال ابن القيم في الإعلام:

ما يشترط فيمن يوقع عن الله ورسوله:

لما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه – لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ، صادقاً فيه ... وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله. فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات.

وكيف هو المنصف الذي تولى بنفسه رب الأرباب، قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: ١٥٧] . وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة إذ يقول في كتابه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦] ، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله (٥) .

الفتوى على غير مذهب الإمام.

تساءل ابن القيم قائلاً: هل للمفتي المنتسب إلى الإمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجح عنده؟

فإن كان سالكاً سبيل ذلك الإمام في الاجتهاد ومتابعة الدليل أين كان – وهذا هو المتبع للإمام حقيقة – فله أن يفتي بما ترجح عنده من قول غيره.

وإن كان مجتهداً متقيداً بأقوال ذلك الإمام لا يعدوها إلى غيرها (٦) ؛ فقد قيل: ليس له أن يفتي بغير قول إمامه.

والصواب: أنه إذا ترجح عنده قول غير إمامه بدليل راجح فلا بد أن يخرج على أصول إمامه وقواعده، فإن الأئمة متفقة على أصول الأحكام فكل قول صحيح فهو يخرج على قاعدة الأئمة بلا ريب، فإذا تبين لهذا المجتهد المقيد رجحان هذا القول وصحة مأخذه خرج على قواعد إمامه فله أن يفتي به، وبالله التوفيق.


(١) إعلام الموقعين: ٤ / ١٨٤ – ١٨٥.
(٢) الباحسين، التخريج عند الفقهاء، ص ٣١٩.
(٣) إعلام الموقعين: ١ / ١١ – ١٣.
(٤) إعلام الموقعين: ١ / ٢٩.
(٥) إعلام الموقعين: ١ / ١١.
(٦) ابن القيم، إعلام الموقعين: ٢ / ٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>