للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل التخريج على قواعد الإمام بمثابة قول الإمام؟:

نسبة القول المخرج للإمام:

إن مجتهد المذهب قد يجتهد بالتخريج على قواعد الإمام فيلحق ما لم ينص عليه الإمام بما نص عليه. ولكن ما هو مصير هذه الأقوال المخرجة؟ هل تنسب للإمام الذي خرجت الأقوال على أصوله وقواعده، أم لا تنسب إليه، وإنما هي أقوال في المذهب تنسب لمخرجيها فقط؟

لقد جزم إمام الحرمين في (الغياثي) (١) بأن القول المخرج في المذهب منسوب للإمام، وأن المفتي إذا أفتى بتخريجه، فالمستفتي مقلد لإمامه، لا له.

وقال الإمام الشيرازي في (التبصرة) : لا يجوز أن ينسب إلى الشافعي - رضي الله عنه - ما يخرج على قوله، فيجعل قولا له (٢) .

ثم رد الشيرازي على من قال من الأصحاب بأنه ينسب إليه.

قال الشيرازي: وذلك أن قول الإنسان ما نص عليه، أو دل عليه بما يجري مجرى النص، وما لم يقله، ولم يدل عليه، فلا يحل أن يضاف إليه.

ولهذا قال الشافعي – رحمه الله -: لا ينسب لساكت قول.

وهذا الذي قاله الشيرازي هو الصحيح المعمول به في المذهب، كما قال ابن الصلاح، والنووي (٣) .

قلت: ثم هذه التخريجات، وإن كانت لا تنسب للشافعي، على هذا الصحيح المختار، إلا أنها تعد من المذهب، وتعتبر وجوهاً فيه، ما دامت مستخرجة على نصوص الإمام وأصوله، ومن قبل أصحابه ومقلديه، وأما إن كانت مما اجتهد فيه صاحب الوجه، ولم يأخذه من أصل الإمام، فإما أن يوافق القواعد، وإما أن يخالفها. فإن وافق القواعد فهو من المذهب وإلا فلا.

قال ابن السبكي (في الطبقات) (٤) : "القول الفصل فيما اجتهدوا فيه – أي أصحاب الوجوه – ولم يأخذوه من أصله أنه لا يعد، إلا إذا لم ينافِ قواعد المذهب، فإن نافاها لم يعد، وإن ناسبها عد، وإن لم يكن له مناسبة ولا منافاة – وقد لا يكون لذلك وجود، لإحاطة المذهب بالحوادث كلها – ففي إلحاقه بالمذهب تردد. وكل تخريج أطلقه المخرج إطلاقاً. فيظهر أن ذلك المخرج، إن كان ممن يغلب عليه التمذهب والتقيد، كالشيخ أبي حامد، والقفال، عد من المذهب.

وإن كان ممن كثر خروجه كالمحمدين الأربعة، فلا يعد.

وأما المزني، وبعده ابن سريج، فبين الدرجتين، لم يخرجوا خروج المحمدين، ولم يتقيدوا بقيد العراقيين والخراسانيين ".

وهذا ومن التخريج ما يكون من نقل الأقوال للإمام من مسألة أخرى، كأن ينص الإمام في مسألة على حكم، ثم ينص في مسألة أخرى تشابهها على حكم يخالف الحكم الأول.

فيأتي مجتهد المذهب ويخرج لكل مسألة من المسألتين قولاً من المسألة الأخرى، فيصير لكل مسألة قول منصوص عليه من قبل الإمام، وقوله مخرج من قبل الأصحاب.

قال ابن الصلاح: ثم تارة يخرج من نص معين لإمامه، وتارة لا يجده فيخرج على أصوله، بأن يجد دليلاً على شرط ما يحتج به إمامه، فيفتي بموجبه.


(١) الغياثي، ص ٤٢٧
(٢) انظر التبصرة، ص ٥١٧ بشرحنا.
(٣) المجموع: ١ / ٧٣؛ والمغني: ١ / ١٢؛ ونهاية المحتاج: ١ / ٤٣؛ والتحفة: ١ / ٥٣.
(٤) ابن السبكي، الطبقات: ٢ / ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>