للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن نص إمامه على شيء، ونص في مسألة تشبهها على خلافه، فخرج من أحدهما إلى الآخر، سمي قولاً مخرجاً.

وشرط هذا التخريج أن لا يجد بين نصيه فرقًا، فإن وجده، وجد تقريرهما على ظاهرهما.

ويختلفون كثيرا في القول بالتخريج في مثل ذلك، لاختلافهم في إمكان الفرق.

قال النووي: قلت: وأكثر ذلك يمكن فيه الفرق، وقد ذكروه (١) .

ومثال التخريج في الأقوال والمسائل – والأمثلة كثيرة – ما نص عليه الشافعي في الاجتهاد في الأواني، إذ نص على أنه اجتهد فيها، وغلب على ظنه طهارة أحدهما استعمله، وأراق الآخر، فإن استعمل ما غلب على ظنه طهارته، إلا أنه لم يرق الآخر، الذي غلب على ظنه نجاسته، ثم تغير اجتهاده، بأن غلب على ظنه طهارة ما ظنه نجساً ونجاسة ما ظنه طاهراً في الاجتهاد الأول.

قال الشافعي: لا يعمل بالاجتهاد الثاني، لئلا ينتقض اجتهاد باجتهاد، بل يخلطان، بل يرقيهما ويتيمم ... إلا أنه في الاجتهاد في القبلة نص على أن المصلي لو اجتهد في القبلة، وغلب على ظنه أنها في جهة الغرب مثلاً، فصلى إليها، ثم تغير اجتهاده في الركعة الثانية، فغلب على ظنه أنها في جهة الشمال، أنه يغير اتجاهه في الركعة الثانية، حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات، يصلي أربع ركعات إلى أربع جهات، ولم يقل فيها ما قاله في مسألة الاجتهاد في الأواني من عدم العمل بالاجتهاد الثاني. فهاتان مسألتان، متشابهتان، نص فيهما الإمام على حكمين مختلفين، في الأولى لم يجز العمل بالاجتهاد الثاني، وفي الثانية أجاز العمل به.

فخرج بعض الأصحاب لكل من المسألتين قولاً من نظيرتها، ففي مسألة الاجتهاد في الأواني خرجوا لها قولاً من الاجتهاد في القبلة، فصار فيها قولان؛ قول منصوص، وهو أنه لا يجوز العمل بالاجتهاد الثاني، وقول مخرج من الاجتهاد في القبلة، وهو أنه يجوز العمل بالاجتهاد الثاني وعليه يجوز له أن يتوضأ مما غلب على ظنه طهارته بالاجتهاد الثاني.

كما خرجوا من مسألة الاجتهاد في الأواني قولا إلى الاجتهاد في القبلة، فصار فيها قولان، قول منصوص يجوز له أن يعمل بالاجتهاد الثاني، حتى يصلي أربع ركعات إلى أربع جهات، وقول مخرج، لا يجوز له أن يعمل بالاجتهاد الثاني.

على أن بعض الأصحاب أظهر فرقاً بين المسألتين، وبناء على ذلك منع التخريج فيهما (٢) .

قال الإمام النووي: إذا أفتى المفتي بتخريجه والمستفتي مقلداً لإمامه لا له. هكذا قطع به إمام الحرمين في كتابه الغياثي.

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره. إن ما يخرجه أصحابنا هل يجوز نسبته إلى الشافعي؟ والأصح أنه لا ينسب إليه. ثم تارة يخرج من نص معين لإمامه، وتارة لا يجده فيخرج على أصوله بأن يجد دليلاً على شرط ما يحتج به إمامه فيفتي بموجبه، فإن نص إمامه على شيء، ونص في مسألة تشبهها على خلافه فخرج من أحدهما إلى الآخر سمي قولاً مخرجاً.


(١) المجموع: ١ / ٧٣.
(٢) انظر هذه المسألة ونظائرها في شرح المحلي على منهاج النووي، فقد أبدع كل الإبداع في ذكر الأقوال المخرجة، وتعليلاتها، والفوارق بين المسألتين المتناظرة، ونظيره ما فعله ابن حجر في التحفة حيث أتى فيها في هذا المجال بالعجب العجاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>