للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوجيه هذا الكلام أن الأحكام تبتنى في كل إقليم وفي كل عصر على عرف أهله وهو مأخوذ من الفتح. (١)

وقال بعد ذلك: وفي فتاوى ابن الشلبي لا يعدل عن قول الإمام إلا إذا صرح أحد المشايخ بأن الفتوى على قول غيره، وبهذا سقط ما بحثه في البحر من علينا الفتوى بقول الإمام وإن أفتى المشايخ بخلافه، وقد اعترضه محشية الخير الرملي (٢) ، وقال في تنوير الأبصار مع الدر المختار في بيع المعدوم، ومنه بيع ما أصله غائب؛ كجزر وفجل، أو بعضه كورد وياسمين ومرصاد، وجوزه مالك لتعامل الناس وبه، أفتى بعض المشايخ عملاً بالاستسحان (٣) . "ومقدار الوزن لا يعلم بالعد كما العكس وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة المحمدية: أنه لا حيلة فيه إلا التمسك بالرواية الضعيفة. لكن شارحها سيدي عبد الغني النابلسي بأن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، وفي الكافي الفتوى على عادة الناس" (٤) .

وقال الأحناف: إن المتون مقدمة على الشروح والشروح مقدمة على الفتاوى، والعمل على ما في المتون إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون، كما في أنفع الوسائل، وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى (٥) .

لكن مراجعة كتب الفتاوى؛ كالهندية وقاضيخانه، تبرز بوضوح تأثير المتأخرين في ترجيح كفة الفتاوى وما يفتى به في بلخ وخوارزمة وغيرهما. وأما المالكية فإنهم مع كراهية إمامهم رحمه الله تعالى لافتراض المسائل وتقدير الوقائع فإنهم في وقت مبكر اقتصوا آثار المدرسة العراقية الحنفية في افتراض المسائل عندما سلك أسد بن الفرات مسلك الأحناف في توليد المسائل بعد ملازمته لمحمد بن الحسن، فكان يطرح على ابن القاسم تلميذ مالك تلك المسائل فيجيبه عليها، فدون منها مدونة كبيرة عرفت باسم (الأسدية) عاد بها إلى أفريقيا وقفا أثره سحنون بن سعيد الذي راجع المدونة على ابن القاسم وصححها فأسقط الكثير وأثبت فتاوى أخرى لابن القاسم، ودون ما أملاه عليه ابن القاسم وعاد به إلى بلاده ليصبح المرجع في الفتوى لدى أمة المذهب في تونس وإفريقيا بخاصة، حيث اختصره ابن أبي زيد القيرواني في مختصره، ولخصه أبو سعيد البرادعي في تهذيبه الذي ألا اعتمده العلماء كما قال في طليحيته: واعتمدوا التهذيب للبرادعي، والمدونة في البرادعي، وقد شرحت المدونة وكثر التعليق عليها.

وإن كان أهل الأندلس أكثر اهتماماً بالعتبية وقد بينها ابن رشد في بيانه وتحصيله يراجع ابن خلدون في المقدمة.

فكانت هذه المدونات والمستخرجات وكتب ابن يونس واللخمي وابن أبي زيد وابن المواز مرجع النازل والفتاوى في أقطار الشمال الأفريقي والأندلس. إلا أن علم الفتاوى والنوازل كان له رواج كبير إلى جانب علم القضاء والتوثيق، فقد كانت لكل علم من أعلام الفقه نوازله وفتاويه الخاصة في مسائل ترد عليه، سواء في حضرة تونس أو القيروان أو فاس أو قرطبة.

ولعل أقدم النوازل بالغرب الإسلامي: نوازل القرويين ونوازل ابن رشد (الجد) وابن الحاج القرطبي ومذاهب الحكام في نوازل الأحكام لمحمد بن القاضي عياض قد جمعها من بطائق والده التي دونها تحت عنوان (أجوبة القرطبين) ، ويرى بعض الباحثين أن فتاوى القاضي عياض كانت تشكل مدونة العمل السبتي الذي كان رائداً للعمل الفاسي والعمل الرباطي والعمل السوسي والعمل التطواني الذي استفيد من نوازل في الأحكام الشرعية بتطوان للفقيه الحائك، وقد أدمجها المهدي الوزاني في نوازله الصغرى (٦) .


(١) الحاشية: ٤ / ٧١٩.
(٢) الحاشية، ص ٣٠٣.
(٣) ٤ / ١٠١.
(٤) الحاشية: ٤ / ١٨٢.
(٥) الحاشية: ٤ / ٣١٧.
(٦) يراجع في بحثه (سبتة في عصر القاضي عياض) ، دورة القاضي عياض: ٢ / ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>