للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- الطريق الثالث في سبيل الاستفادة من الفتاوى والعمل:

هو البحث عن بعض النوازل التي تشبه القضايا المعاصرة في وجه من الوجوه وصورة من الصور، فيطبق عليها أو يستأنس بها لإيجاد حل للقضية المعاصرة، ومن الواضح أن كل زمان يطرح قضاياه ونوازله، وبخاصة في زماننا الذي انمحت فيه الحدود وزالت فيه الحواجز، وغزت العالم الإسلامي في عقر داره أعراف العالم الآخر ونظمه وقوانينه، فنظمت المعاملات والمبادلات على أسس لا توافق في أحايين كثيرة الأسس الفقهية المعروفة، بيد أن الأمر ازداد تعقيداً بظهور المخترعات العلمية الحديثة التي قطرت معها قطاراً من المسائل، نشأت عن الحاجات التي أوجدتها لدى المجتمع، كتلك المتعلقة بالطب من زراعة الأعضاء ونقلها إلى الهندسة الوراثية (١)

ولهذا فإن الفتاوى والنوازل القديمة قد لا تجدي فتيلاً في حل المسائل المعاصرة التي يمكن أن تحل من خلال القواعد كما أسلفنا، ومع ذلك فإنه بإمعان النظر في كتب الفتاوى والعمل يستطيع المتوسم أن يعثر على فروع ومسائل تشبه تلك التي تطرحها المعاملات المعاصرة، ويبنغي التنبيه على أن دلالتها عليها قد لا تكون دلالة مطابقة، ومفهومها قد لا يكون مفهوم موافقة، بل أنها تدل عليها دلالة تضمن، أو التزام بوجه من الوجوه وشكل من الأشكال تنبئ عما رواء الأكمة بدون غوص في مضامينها، أو تعمق في محتواها، غير ملتزم بترجيح وجه من أوجه الخلاف، إذ أن المقصود إثارة الموضوع ليعلم أن له شواهد في النوازل تبيحه أو تحرمه، أو تحكي الخلاف فيه، وهو أمر سيتيح للفقيه عندما يعالج أيا من هذه النوازل سندا يستند إليه ليرجح من الخلاف على أساس من المرجحات، ويكفيه منقبة لهذا الخلاف أنه يرفع عن الباحث إصر مخالفة الإجماع،ويسلكه في مسلك الاتباع.

-من أسلم ذهباً إلى شخص في قمح وباع منه قمحاً بذهب إلى أجل:

فأجاب الفقيه ابن الحاج: إن ذلك جائز إذا كان في صفقتين، ولا يجوز إذا كان في صفقة واحدة، لأنه ذهب وطعام بذهب وطعام (٢) .

- الموجد بأخذ الأجرة مقدماً لا يجب عليه دفع الزكاة إلا لما مضى من الزمان.

-مسألة التسالف بين الأحباس، وقول ابن حبيب في الواضحة: إن الأموال المرصودة في وجه من وجوه البر يمكن أن تصرف في أوجه أخرى من أوجهه. وهذا يوسع على هيئات الإغاثة لتبادل الاقتراض ومساعدة بعضها البعض.

-مسألة التضخم:

سئل فقهاء طليطلة عمن أوصى لرجل بسكة فحالت السكة إلى سكة أخرى، فشوور فيها فقهاء قرطبة، فأجابوا بوجوب الوصية في السكة الجارية يوم مات الموصي لا يوم أوصى، وأقاموها من مسألة الخيش والمسح والخريطة.

وذكر كلام المتيطي: لو اكترى داراً لكل شهر بكذا فاستحالت السكة وتمادى المكتري في السكنى حتى مضت مدة وكانت السكة التي استحالت إليها أحسن من القديمة التي عقد عليها الكراء، فهل يجب للمكري على المكتري من القديمة أو من الحديثة؟ فقال ابن سهل: له من السكة القديمة التي عقد عليها الكراء، كما لا حجة لبعض على بعض بغلاء أو رخص لا يحتمل النظر غير هذا، ولا يجوز على الأصول سواه (٣) .

وفي قياس التضخم على الجائحة سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:

عمن استأجر أرضاً فلم يأتها المطر المعتاد فتلف الزرع هل توضع الجائحة؟

فأجاب: أما إذا استأجر أرضاً للزرع فلم يأتِ المطر المعتاد فله الفسخ باتفاق العلماء، بل إن تعطلت بطلب الإجارة بلا فسخ في الأظهر.

وأما إذا نقصت المنفعة فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقصت المنفعة نص على هذا الإمام أحمد بن حنبل وغيره فيقال: كم أجرة الأرض مع حصول الماء المعتاد؟ فيقال: ألف درهم ويقال كم أجرتها مع نقص المطر هذا النقص؟ فيقال: خمسمائة درهم، فيحط عن المستأجر نصف الأجرة المسماه، فإنه تلف بعض المنفعة المستحقة بالعقد قبل التمكن من استيفائها، فهو كما لو تلف بعض المبيع قبل التمكن من قبضه.

وكذلك لو أصاب الأرض جراد أو نار أو جائحة أتلف بعض الزرع؛ فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة (٤) .


(١) يراجع كتاب فقه النوازل للعلامة الشيخ بكر أبو زيد، ففيه إنارة على بعض هذه القضايا.
(٢) المعيار: ٦ / ١٦٢.
(٣) المعيار: ٦ / ٢٢٨ وما بعدها.
(٤) الفتاوى لابن تيمية: ٣ / ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>