-وفي الختام؛ فقد أنجزنا هذا البحث بتوفيقه تعالى، وقد عرفنا فيه الفتوى التي هي إخبار عن الله تعالى بحكم شرعي في مقابل الحكم الذي هو إلزام بالحكم، وقد بينا فيه نسبة علم الفتيا والقضاء لعلم الفقه، فالمفتون هم خاصة الفقهاء، وهذا معنى كون علمها أخص من علم الفقه، وإلا فعلم الفتيا أعم، لكونه يشتمل على علم الفقه، ويزيد عليه بتنزيل الأحكام على الوقائع، وهو أمر يفترض علماً بالواقع وفهماً للعلاقة بين الحكم والواقع، وهي العلاقة التي ستكون الفتوى نتيجتها كإنتاج الشكل الأول من الأشكال الأربعة المنتجة إذا رتبت كبراه على صغراه، فمن لا يعرف أن الإنسان داخل في جنس الحيوان، وتلك هي الصغرى لا يستفيد من كون كل حيوان متغيراً وهي الكبرى، وذلك ما عناه الإمام ابن عرفة في تعريفه لعلمي القضاء والفتوى.
وقد تطرق البحث إلى الأدلة التي تعتمد عليها فتاوى المجتهدين استنباطاً من الأصلين، وفتاوى المقلدين اتباعاً للأولين.
ثم أوضحنا من هو المفتي، ودرجات المفتين من مجتهد مطلق على كل قيد، ومجتهد مقيد بقيد لمذهب والفتيا، ومقلد أخلد إلى أرض التقليد.
ثم عقدنا فصلاً عن العمل الفقهي القطري، وهو خصيصة من خصائص المذهب المالكي في الغرب الإسلام:(شمال إفريقية والأندلس) ، وقد عرفناه بأنه ترجيح قول ضعيف لمصلحة أو ضرورة من أهل الترجيح علماً وعملاً، ومن جملة ما أضفنا من المسائل والأقوال التي اشتملت على قيد أو شرط، يمكن أن نعتبر أن إجراء العمل والعدول عن الراجح والمشهور في المذهب، لسبب اقتضى ذلك من مصلحة أو ضرورة أو حاجة في زمان معين ومكان معين من أهل العلم، الذين يحق لهم الاختيار والترجيح والتخريج على أقوال الإمام وقواعد المذهب، وقد يكون العدول عن الراجح والمشهور لأرجحيته من حيث الدليل الأصلي، فهو وبهذا المعنى اجتهاد من المرجح، وقد مثلنا لذلك بمسألة الخلطة، ولم يسبق لأحد ممن كتب عن العمل أن اهتدى إلى هذا الملحظ، كما أبنّا شروط إجراء العمل الثلاثة أو الخمسة، وناقشنا بعضها لنصل إلى أن القول الضعيف قد يكون مرجعاً للفتوى، وأن منعه إنما هو سد للذريعة، وهو أمر لا يختص بالمالكية، بل نجده عند الأحناف في المفتى به وعند الشافعية ولو بغير ضرورة.