ففي هذه الآيات دستور للمسلمين يضعونه نصب أعينهم، ويعقدون عليه قلوبهم، ودعوة مباركة إلى تقوى الله، والالتزام بالإسلام، وأمر بالاعتصام بحبل الله، واجتناب التفرق، وتنبيه على نعمة الأخوة التي مَنَّ الله بها على الجماعة المسلمة وأسبغها عليهم، وحثٌّ لهم على الاضطلاع بالدعوة إلى الخير، والنصيحة لكل مسلم، ولا يتولى عن هذا الدستور أو يصد عنه إلا من أنكر نعمة الأخوة عليه، أو لسوء عقيدته، أو لما في قلبه من دخل.
فهذه الآيات البينات من القرآن الكريم تقتضي أن يجتمع المؤمنون تحت لواء الله، وأن ينبذوا الأحقاد التاريخية، والتارات القبلية، والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية، وقد رأينا تحقق النتائج العظيمة لقيام هذه الوحدة في الرعيل الأول من المسلمين أيام قوتهم وعزتهم وإبداعهم وتأسيس حضارتهم، وصف ذلك الدعاة والمصلحون في حديثهم عن الوحدة الإسلامية، ونوه بذلك الأستاذ محمد عبده في قوله:
من المغرب الأقصى إلى تونازني على حدود الصين، في عرض ما بين قازان من جهة الشمال، وبين سرنديب تحت خط الاستواء: أقطار متصلة، ديار متجاورة يسكنها المسلمون، كان لهم فيها سلطان لا يُغلب، أخذ بصولجان الملك منهم ملوك عظام، أداروا بشوكتهم كرة الأرض إلا قليلًا، ما كان يهزم لهم جيش، ولا يُنكس لهم عَلم، ولا يُرد قول على قائلهم.