فإن أول صيحة تبعث إلى الوحدة، وتوقظ من الرقدة لهي تلك التي تصدر عن أعلى الناس منزلة، وأعظمهم حرمة، وأقواهم حجة، وليس لهذا غير العلماء العاملين، فإن كلمتهم مسموعة، ودعوتهم مقبولة، وهم الذين لهم اليد الطولى في هذا العمل الشريف، يذكرون الجماعات الإسلامية بسنن الله في كونه، ويتلون عليهم من الآيات ما فيه مزدجر، ويثبتون في قلوبهم ما وعد به الرحمن عباده الصالحين من عزة ونصر في قوله:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: ١٠٥] .
وقد دعا أحد الأئمة من أجل تحقيق الوحدة بين المسلمين إلى ضرورة الاستعلاء على حالة التمحور حول الذات، شخصية كانت أم مذهبية أم إقليمية، والارتقاء إلى مستوى الاهتمام بالكيان الكلي للأمة.
أما الوظيفة الثانية، وهي لا تقل شأنًا عن الأولى، فإنها تتمثل في الجانب العلمي الأكاديمي، الذي تقوم به في كل زمن أصحاب الاختصاص من ذوي التكوين العلمي الواسع، الذين يصورون للفقهاء من منطلق اختصاصاتهم المتنوعة الوقائع والحوادث كما هي في الواقع، ويكيفونها بالوجه الذي يساعد الشرعيين على إصابة المحز في اجتهاداتهم، وتحقيق المناط فيما يصدر عنهم من أحكام في القضايا المطروحة عليهم للدرس والنظر.
وقد تهيأ للقيام بشرف خدمة الفقه الإسلامي سراة القوم وكبار علمائهم، فدعوا إلى المجمع من الدول الإسلامية كافة، فهم أعضاء يمثلون دولهم، أو شخصيات لامعة في العلوم الفقهية وفي مجال النظر والاجتهاد، أو ممثلون للمؤسسات الفقهية المنتشرة في العالم الإسلامي، أو خبراء ومراسلون يقدمون في كل دورة من دورات المجمع دراساتهم العميقة، وبحوثهم القيمة، مستمدة من فقه المذاهب المعتبرة الباقية التي ينتسبون إليها، فيعرضون نتائج جهودهم وثمرات بحوثهم على مجلس المجمع، ويجري فيها النقاش، ويكون ذلك هو طريقهم إلى إصدار الأحكام الفقهية والقرارات والتوصيات المجمعية، ولا يعتد من ذلك إلا بما يحظى بإجماع الأعضاء أو باتفاق الأغلبية منهم، مما يكون أقوى حجة ودليلًا، وأوفى بمقاصد التشريع، وأقرب إلى مراعاة المصالح المعتبرة.