للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن مما يحقق التقارب بين أهل الملة ما وضعه مجمع الفقه الإسلامي من مشاريع، تلتقي فيها آراء الفقهاء والعلماء من كل صوب، كالموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعجم المصطلحات الفقهية، ومعلمة القواعد، ومدونة أدلة الأحكام الفقهية التي دعا إليها جمهرة من فقهائنا وعلماء عصرنا ممن ينتمي إلى المذاهب الأربعة، ومن إخوتنا من الإمامية والزيدية والإباضية المسهمين معنا في أعمال المجمع ومشاريعه.

وقد كانت الدعوة صريحة إلى هذا التقارب والتوحيد في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر التأسيسي لمَجْمَع الفقه الإسلامي، وجاء فيه على لسان خادم الحرمين الشريفين حفظه الله: لقد التزمت المملكة هذه الروح في تنظيمها القضائي، وقررت توحيد الحكم الشرعي في المسائل الخلافية بين المذاهب المعتمدة؛ وذلك بقرار يصدر عن هيئة علمية للعمل بأقوى المذاهب دليلًا من كتاب الله وسنة رسوله. وقد عقب قوله هذا بالدعوة التي توجه بها إلى عامة المشاركين في المجلس التأسيسي للمجمع قائلًا: أيها الإخوة الكرام؛ إنا لمطالبون جميعًا بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شؤون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية؛ فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة.

وهكذا تلتقي الريادات السامية، والتوجهات الصادقة بإذن الله، في رحاب دين الله، وفي آداب وأحكام وأصول شريعته الخالدة، على تحقيق التقارب الإسلامي وتجديد بناء وحدة الأمة، معتبرة أن القيام بهذه الرسالة فريضة على المسلمين، وخاصة في هذه الظروف الصعبة الحالكة التي تمر بها المجتمعات الإسلامية، فإنه لا يدرأ عنها الأخطار وشرور الفتنة، ولا يقيها أسباب التصدع وعوامل الفناء والانقراض، إلا رجوعها إلى دينها وتمسكها بشريعتها، وعملها الجاد في إنقاذ وحدتها وإعلاء كلمتها، وإيجاد الحلول الشرعية البينة لما يجد أو يستشكل من قضايا العصر في كل المجالات.

ولقد أدت الشريعة الإسلامية في الماضي وظيفتها العظيمة - كما قال أحد أعلام رجال القانون - وذلك طالما كان المسلمون متمسكين بها، عاملين بأحكامها، تمسك بها المسلمون الأوائل وعملوا بها وهم قلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس، فإذا هم في عشرين سنة سادة العالم وقادة البشر، ما أوصلهم لهذا إلا الشريعة الإسلامية التي علمتهم وأدبتهم، ورققت نفوسهم، وهذبت مشاعرهم، وأشعرتهم العزة والكرامة، وأخذتهم بالمساواة التامة والعدالة المطلقة، وأوجبت عليهم أن يتعاونوا على البرِّ والتقوى، وحرمت عليهم الإثم والعدوان، وحررت عقولهم ونفوسهم من نير الجهالات والشهوات. كان ذلك حال المسلمين طالما تمسكوا بشريعتهم، فلما تركوها وأهملوا أحكامها تركهم الرقي، وأخطأهم التقدم، ورجعوا القهقرى إلى الظلمات التي كانوا فيها يعمهون من قبل، فعادوا مستضعفين مستعبدين لا يستطيعون دفع معتد ولا الامتناع من ظالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>