للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراعاة الخلاف بعد وقوع المختلف فيه:

إذا ارتكب المكلف فعلًا مختلفًا في تحريمه وجوازه فقد يجيز من يرى التحريم ما وقع، نظرًا إلى أن ذلك الفعل وافق فيه المكلف دليلًا في الجملة، وهو - وإن كان مرجوحًا - راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه لأن ذلك أولى من إزالتها بضرر أشد من مقتضى النهي، كالنكاح بلا ولي يثبت به النسب والميراث ولا يعامل كالزنى لثبوت الخلاف فيه، ووجهه أن للعامل بالجهل مخطئًا نظرين: أحدهما مخالفة للأمر والنهي، وهو يقتضي الإبطال، والآخر قصده الموافقة لأحكام الشرع، وخطؤه أو جهله لا يخرج به عن حكم أهل الإسلام، بل يتلافى له حكم يصحح ما أفسده بجهله أو خطئه، إلا أن يترجح جانب الإبطال بأمر واضح.

هذا ملخص ما قرره الشاطبي في الموضوع. وقد نقل الشاطبي لهذا الرأي توجيهًا أورده عن بعضهم، مفاده: أن المسألة يكون لها دليل يقتضي المنع ابتداء ويكون هو الراجح، ثم بعد الوقوع يصير الراجح مرجوحًا لمعارضة دليل آخر يقتضي رجحان دليل المخالف، فيختلف حكم ما بعد الوقوع عما بعده، أي لترتب آثار بالوقوع تقتضي حكمًا جديدًا (١) .

الخلاف في الاستحباب وعدمه، وأمثلته، والعمل بالجواز:

قال ابن تيمية: هذه التنازعات إنما هي في أمور مستحبات ومكروهات، لا في واجبات ومحرمات، فإن الرجل إذا حج متمتعًا أو مفردًا أو قارنًا، كان حجه مجزئًا عند عامة المسلمين، وإن تنازعوا في الأفضل من ذلك، ولكن بعض الخارجين عن الجماعة يوجب أو يمنع ذلك!.

وكذلك الأذان سواء رجع فيه أو لم يرجع، أذان صحيح عند سلف الأمة وجميع خلفها، وسواء ربع التكبير في أوله أو ثناه.

وكذلك الجهر بالبسملة والمخافتة، كلاهما جائز ولا يبطل الصلاة، وإن كان من العلماء من يستحب أحدهما أو يكره الآخر، أو يختار أن لا يقرأ بها، فالمنازعة بينهم في المستحب، وإلا فالصلاة بأحدهما جائزة عند عامة العلماء.


(١) الموافقات: ٤/٢٠٢ - ٢٠٥و٤/١٥١ - ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>