للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب التاسع:

اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه، أو نسخه، أو تأويله إن كان قابلًا للتأويل بما يصلح أن يكون معارضًا بالاتفاق، مثل آية أو حديث آخر، أو مثل إجماع واحد منها.

وتارة يعين أحدها، بأن يعتقد أنه منسوخ، أو أنه مؤول، ثم قد يغلط في النسخ فيعتقد المتأخر متقدمًا، وقد يغلط في التأويل بأن يحمل الحديث على ما لا يحتمله لفظه، أو هناك ما يدفعه، وإذا عارضه من حيث الجملة فقد لا يكون ذلك المعارض دالًا، وقد لا يكون الحديث المعارض في قوة الأول إسنادًا أو متنًا، وتجيء هنا الأسباب المتقدمة وغيرها في الحديث الأول، والإجماع المدعى في الغالب إنما هو عدم العلم بالمخالف.

وقد وجدنا من أعيان العلماء من صاروا إلى القول بأشياء متمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف، مع أن ظاهر الأدلة عندهم يقتضي خلاف ذلك، لكن لا يمكن العالم أن يبتدئ قولًا لم يعلم به قائلًا، مع علمه أن الناس قد قالوا خلافه، حتى إن منهم من يعلق القول فيقول: إن كان في المسألة إجماع فهو أحق ما يتبع، وإلا فالقول عندي كذا وكذا.

والسبب العاشر:

معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله، مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارض، أو لا يكون في الحقيقة معارضًا راجحًا.

(وقد أورد ابن تيمية الأمثلة وما قبله مما في المذاهب المعروفة طويتها قصدًا للاختصار، وتجنبًا لإثارة المسائل الخلافية والردود عليها) ، ثم قال:

فهذه الأسباب العشرة ظاهرة، وفي كثير من الأحاديث يجوز أن تكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطلع نحن على جميع ما في بواطن العلماء، والعالم قد يبدي حجته وقد لا يبديها، إذا أبداها فقد تبلغنا وقد لا تبلغ، وإذا بلغتنا فقد ندرك موضع احتجاجه وقد لا ندركه، سواء كانت الحجة صوابًا في نفس الأمر أم لا، لكن نحن وإن جوزنا هذا فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة أهل العلم، إلى قول آخر قال عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم، إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية، فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم.

والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر، ورأي العالم ليس كذلك، لو كان العمل بهذا التجويز جائزًا لما بقي في أيدينا شيء من الأدلة التي يجوز فيها مثل هذا، لكن العوض أنه في نفسه قد يكون معذورًا في تركه له، ونحن معذورون لتركنا لهذا الترك، وقد قال سبحانه: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: ١٤١] ، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] . وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - لرجل سأله عن مسألة فأجابه فيها بحديث، فقال له: قال أبو بكر وعمر، فقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟

<<  <  ج: ص:  >  >>