أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه، وهذا يراد في الكتاب والسنة.
السبب السادس:
عدم معرفته بدلائل الحديث، تارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريبًا عنده، مثل لفظ المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، والملامسة، والمنابذة، والغرر، إلى غير ذلك من الكلمات الغريبة التي قد يختلف العلماء في تفسيرها، وتارة لكون اللفظ مشتركًا، أو مجملًا، أو مترددًا بين الحقيقة والمجاز، فيحمله على الأقرب عنده، وإن كان المراد هو الأخير، كما حمل جماعة من الصحابة في أول الأمر الخيط الأبيض والخيط الأسود على الحبل، وكما حمل آخرون قوله:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}[النساء: ٤٣] ، على اليد إلى الإبط.
وتارة لأن الدلالة من النص خفية، فإن جهات دلالات الأقوال متسعة جدًا، يتفاوت الناس في إدراكها وفهم وجوه الكلام بحسب منح الحق - سبحانه - ومواهبه، ثم قد يعرفها الرجل من حيث العموم ولا يتفطن لكون هذا المعنى داخلًا في ذلك العام، ثم قد يتفطن له تارة ثم ينساه بعد ذلك.
هذا الباب واسع جدًا لا يحيط به إلا الله، وقد يغلط الرجل فيهم من الكلام ما لا تحتمله اللغة العربية التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بها.
السبب السابع:
اعتقاده ألا دلالة في الحديث، والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة سواء كانت في نفس الأمر صوابًا أو خطأ، مثل أن يعتقد أن العام المخصوص ليس بحجة، وأن المفهوم ليس بحجة، وأن العموم الوارد على سبب مقصور على سببه، أو أن الأمر المجرد يقتضي الوجوب أو لا يقتضيه.
والسبب الثامن:
اعتقاده أن تلك الأدلة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز، إلى أنواع المعارضات، وهو باب واسع - أيضًا - فإن تعارض دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم.