أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده، إما لأن محدثه أو محدث محدثه أو غيره من رجال الإسناد مجهول عنده، أو متهم أو سيِّئ الحفظ، وإما لأنه لم يبلغه مسندًا بل منقطعًا، أو لم يضبط لفظ الحديث مع أن ذلك الحديث قد رواه الثقات لغيره بإسناد متصل، بأن يكون غيره يعلم من المجهول عنده الثقة، أو يكون قد رواه غير أولئك المجروحين عنده، أو قد اتصل من غير الجهة المنقطعة، وقد ضبط ألفاظ الحديث بعض المحدثين الحفاظ، أو لتلك الرواية من الشواهد والمتابعات ما يبين صحتها. وهذا أيضًا كثيرًا جدًّا؛ وهو في التابعين وتابعيهم إلى الأئمة المشهورين من بعدهم أكثر من العنصر الأول (١) .
السبب الثالث:
اعتقاد ضعف الحديث باجتهادٍ قدْ خالفه فيه غيره مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره أو معهما، عند من يقول: كل مجتهد مصيب، ولذلك أسباب:
منها أن يكون المحدث بالحديث يعتقد أحدهما ضعيفًا، ويعتقد الآخر ثقة - ومعرفة الرجال علم واسع - ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه، لاطلاعه على سبب جارح، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفة أن السبب غير جارح، وإما لأن جنسه غير جارح، أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح.
وهذا باب واسع، وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم، ثم تابع بيان الأسباب المتفرعة، وهذا السبب مما مرجعه إلى قضايا من مصطلح الحديث.
السبب الرابع:
اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطًا يخالفه فيها غيره، مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة، واشتراط بعضهم أن يكون المحدث فقيهًا إذا خالف قياس الأصول، واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان فيما تعم به البلوى، إلى غير ذلك مما هو معروف في مواضعه.
(١) أبو داود في النكاح برقم (٢١١٤) ؛ والترمذي في النكاح برقم (١١٤٥) ؛ والنسائي برقم (٣٣٥٤، ٣٣٥٥) .