إقامة العذر (رفع الملامة) عن الاجتهادات المخالفة في النصوص: (١) :
قال ابن تيمية: وليعلم أنه ليس من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا يعتمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول.
وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه.
وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقادهم النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة:
السبب الأول: ألا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالمًا بموجبه، وإذا لم يكن بلغه وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر، أو بموجب قياس، أو بموجب استصحاب، فقد يوافق ذلك الحديث تارة أو يخالفه أخرى، وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفًا لبعض الأحاديث، فإن الإحاطة بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأمة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث، أو يفتي، أو يقضي، أو يفعل الشيء فيسمعه أو يراه من يكون حاضرًا، ويبلغ أولئك أو بعضهم من يبلغونه، فينتهي علم ذلك إلى ما يشاء الله من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم في مجلس آخر قد يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل شيئًا، ويشهده بعض من كان غائبًا عن ذلك المجلس ويبلغونه لمن أمكنهم، فيكون عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء، وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم وجودته.
وأما إحاطة واحد بجميع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادِّعاؤه قطُّ ... (ثم ضرب لذلك أمثلة مما وقع للخلفاء الراشدين ومن بعدهم) .
(١) من رسالة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لابن تيمية، بتلخيص واختصار غير مخل.