للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمهيد:

شاعت بين المصلحين ودعاة الوحدة كلمات مثل: الوحدة الإسلامية أو الاتحاد الإسلامي، والأمة الواحدة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية، والأخوة الإسلامية أو التآلف بين المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلامية. وهذه الكلمات والتعابير - مع الاعتراف باشتراكها في المغزى والهدف - وهو تقارب المسلمين وتآلفهم - إذا تأملنا فيها، وأعطيناها حقها من الدقة والاعتبار، فلكل منها مفهوم خاص يختلف عن غيره بقليل أو كثير.

فالوحدة الإسلامية، أو الاتحاد الإسلامي، عبارة عن وحدة كلمة الأمة تجاه قضاياها الأساسية، وأهدافها المشتركة، ووقوفها صفًّا واحدًا أمام الأعداء، وهي الغاية القصوى والغرض الأقصى من كل المحاولات الجارية، والجهود الجبارة، والدعايات الوحدوية من قبل المصلحين في العالم الإسلامي، وسنتداولها بالبحث بتشعب أقسامها واختلاف صورها.

وأما الأمة الواحدة - أو الجماعة الإسلامية - فتحمل في جوهرها - علاوة على وحدة الكلمة والصمود أمام الأعداء - وحدة جماعية إلى جانب الأمم الأخرى، يحسن التعبير عنها بالقومية الإسلامية. فالمسلمون لهم جنسية إسلامية، قوامها الإيمان بالله ورسوله والتسليم لهما، ولهم وطن واحد، وسلطان قائم بذاته تحت قيادة واحدة، ولهم ثقافة ملموسة، وتقاليد مرسومة، مصدرها الكتاب والسنة. وسيتلى عليكم الآيات ونحدثكم بما جاء في السنة الشريفة من الشواهد على هذه القومية الإسلامية.

وأما الأخوة الإسلامية، فهي في بدو النظر تعبير عن الجانب العاطفي والتعاطف الروحي بين المسلمين، باعتباره تشديدًا للعلاقة بينهم، وتبادلًا للمحبة بين قلوبهم محبة الأخ للأخ.

وقد قام النبي في بداية الهجرة، بعد أن أعلن أن المسلمين أمة واحدة - كما يأتي - بعقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال لهم: ((تآخوا في الله أخوين أخوين)) ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: ((هذا أخي)) ،

ثم ذكر ابن إسحاق مؤاخاة الآخرين، بعضها بين مهاجر وأنصاري، وبعضها بين مهاجر ومهاجر (١) .

وينبغي أن لا ننسى تلك البشارة التي بشر بها النبي أصحابه قبيل الهجرة قائلًا: ((إن الله قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها))

(٢) ، فهاجروا إلى يثرب أرسالًا، واثقين بأن الله سوف يحقق لهم هذه البشارة، هؤلاء الإخوة وتلك الدار.


(١) سيرة ابن هشام: ٢/١١٨.
(٢) سيرة ابن هشام: ٢/١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>