للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء الإخوة كانوا يتوارثون فيما بينهم بهذه الأخوة، حتى نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] ، فتحولوا إلى التوارث بالأرحام.

ثم أعلن الله تعالى في كتابه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] فارتقى عقد الأخوة بين اثنين اثنين من المهاجرين والأنصار إلى الأخوة بين جميع المؤمنين، فإذا كانت الأخوة بينهم عهدًا أو عقدًا من الله ورسوله، فهي شيء وراء مفهوم عاطفي، منقلبة إلى مفهوم حقوقي، وإلى حق له أحكامه ومسؤولياته، وحينئذ تستتبع الأخوة الإسلامية حقوقًا، وتضع مسؤولية كبيرة على عاتق المسلمين أمام بعضهم البعض في شتى أمورهم، يُعبر عنها قول النبي القائل: ((من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)) ،

إلى غيرها من إرشاداته القيمة في سبيل إرساء أساس الأخوة الإسلامية بمفهومها الحقوقي المشار إليه.

فهذه الأخوة العامة بين المسلمين أخوة شرعية نظير الأخوة الرضاعية التي لها حكمها في الزواج.

وأما الائتلاف بين المسلمين فهي تعبير عن الجانب العاطفي فحسب لا يثبت بمجرد حقًا فلا مسؤولية بينهم.

وأما التقريب بين المذاهب الإسلامية فتعبير عن بذل الجهود العلمية في سبيل إزالة الفوارق التي باعدت بين المذاهب الإسلامية وأئمتها وأتباعها، فينكر بعضهم بعضًا، وينظرون إلى المذاهب كأنها أديان مختلفة، وكأن أتباعها أتباع أديان وأمم شتى وليسوا أمة واحدة، وكذلك تحسين العلاقة بين الأئمة وعلماء المذاهب، وتكوين الجو الهادئ والتعارف بينهم على أساس المشتركات بين المذاهب التي تشكل تسعين بالمائة أو أكثر، ليتبادلوا الآراء فيما اختلفوا فيه - وهي أقل من المشتركات بكثير - ولاسيما المسائل الفقهية والأصولية، وغيرها مما سنبحثها فيما يأتي ونعطيها حظًا أوفى.

وفي رأينا أن الآيات: ١٠١ إلى ١٠٣ من سورة آل عمران: تشمل جميع هذه المفاهيم التي ذكرناها لتلك الكلمات وهي قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: ١٠٢، ١٠٣] .

فالخطاب: يا أيها الذين آمنوا - كما سنوضحها - إشارة إلى القومية الإسلامية إلى جانب أقوام اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين، قوامها الإيمان بالله ورسوله، والتسليم لهما مع تقوى الله - كما قال: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . والاعتصام بحبل الله هو الوحدة المنشودة بين المسلمين ووقوفهم أمام الأعداء، والاجتناب عن التفرقة والمعاملة مع المسائل التي اختلفوا فيها برفق، وبالتركيز على المشتركات - وهي حبل الله - والحذر عن جعلها فرقًا ومذاهب، وفيها إعلان بأن التأليف بين القلوب والأخوة بين المسلمين نعمة من الله تبارك وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>