للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السابع

أمثلة ونماذج خالدة من سيرة السلف الصالح

في تفاعل أخوة الإيمان

إن أخوة الإسلام يوم كانت على أوجها صنعت نماذج فريدة عبر التاريخ، وما حدث مرة يمكن أن يحدث مرات أخرى، فالبشر هم نفس البشر والإيمان نفس الإيمان، ولو استعرضناها لطال بنا المكان والزمان، ولكن حسبنا أن نذكر بعضًا من آلاف النماذج، بل من الملايين، على سبيل المثال:

أولًا: لما آخى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار، كان الأنصار يتسابقون في مؤاخاة المهاجرين حتى يؤول الأمر إلى الاقتراع، وكانوا يعطونهم البيوت والأثاث والأموال والأرض والخيل والبغال والحمير ويؤثرونهم على أنفسهم، ويقول الأنصاري للمهاجر: انظر شطر مالي فخذه، ويقول المهاجر: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق.. فكان من الأنصار الإيثار، ومن المهاجرين التعفف وعزة النفس وعدم الطمع، وهكذا تكون الأخوة: عزة نفس وتعفف، وفي المقابل إيثار وكرم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا)) (١) .

وعن جابر رضي الله عنه قال: كانت الأنصار إذا جزوا نخلهم قسم الرجل ثمرة قسمين أحدهما أقل من الآخر، ثم يجعلون السعف مع أقلهما، ثم يخيرون المهاجرين فيأخذون أكثرهما، ويأخذ الأنصار أقلهما من أجل السعف حتى فُتحت خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد وفيتم لنا بالذي كان عليكم، فإن شئتم أن تطيب أنفسكم بنصيبكم من خيبر ويطيب ثماركم فعلتم)) ، قالوا: قد كان لك علينا شروط بأن لنا الجنة، فقد فعلنا الذي سألتنا بأن لنا شرطنا، قال: ((فذاكم لكم)) (٢) .

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون: يا رسول الله: ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلًا في كثير، لقد كفونا المؤونة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: ((لا، ما أثنيتم ودعوتم لهم)) (٣) .


(١) رواه البخاري.
(٢) رواه البزار.
(٣) رواه أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>