وأشرت إلى أن هناك من العلماء من فرق بين الخلاف والاختلاف وهو الإمام الشاطبي، فهو يعتبر الخلاف مذمومًا؛ لأنه ينتج عن هوى، وأما الاختلاف فإن ينتج عن أدلة وأسباب معروفة. وأن من الخلاف ما هو زمني ومنه ما هو البلداني، وأن الاختلاف منه ما هو اختلاف تنوع ومنه ما هو اختلاف تغاير. واختلاف التنوع أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ونوه إلى أنه ليس فيه بأس ولا حرج وهو الذي يحصل في كثير من أوضاع وهيئات العبادة أو الأذكار مثل دعاء التوجه فهذا اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
ثم أشرت إلى أسباب الاختلاف بين الفقهاء وأن أول من تناول هذا الموضوع هو ابن السيد البطليموسي الأندلسي، حيث أورد ثمانية أسباب لهذا الاختلاف تتصل بطبيعة النصوص وبخصائص اللغة العربية وبنقل الرواية، وجاء بعده علماء آخرون فبينوا هذه الأسباب بعبارات أخرى مختلفة منهم ابن رشد في بداية المجتهد، ومن المتأخرين الإمام ولي الله الدهلوي، ومن العلماء شبه المعاصرين الشيخ علي الخفيف وأمثاله.
إثر ذلك انتقلت إلى المقارنة بين المذاهب من حيث المسائل الخلافية، فالأمور المجمع عليها ليست مجالًا للمقارنة أو الموازنة ويستحسنه بعض العلماء، وأوضحت ضرورة وجود معيار للموازنة بين الخلافات الفقهية، فإن كان لكل فقيه رأي، فمن الذي يعتبر مخالفًا للآخر؟ المعيار هنا هو النظر إلى جمهور الفقهاء، فالذي يخالف الجمهور هو الذي يعتبر مخالفًا، وهذا الخلاف ليس كله محمودًا، فهناك خلاف مشذذ، وهو الذي يأتي بخلاف غير معتبر، وقد ألف بعض العلماء ومنهم التميمي كتابًا سماه:(نوادر العلماء) أشار فيه إلى هذه الأقوال الشاذة التي يجب الحذر منها واجتنابها.
ثم بينت أن مجال المقارنة هو المذاهب القائمة المتبعة وليس فقط المذاهب الأربعة، وأنه لابد من الحياد في هذه الموازنات.
وأشرت إلى منهج المحدثين وكيف أخذوا عن العلماء من شتى الفرق والمذاهب، ولم يتجنبوا إلا من كان يدعو إلى منهجه ويخشى أن يتأثر فيروي شيئًا يصدر في مذهبه أو رأيه. وقد أخذوا بكثير من هذه وكتب علماء الجرح والتعديل تشهد بذلك.