ثم أشرت إلى علاقة الفقه بأصول الفقه فإذا لم يتم الالتقاء على مصادر الأحكام الشرعية وتوحيد هذه المصادر فإن الخلاف سيظل عميقًا كبيرًا، ولذلك لابد من التعرف بين علماء المذاهب إلى هذه المصادر، هل هي واحدة أو مختلفة؟ فهناك اختلاف في موضوع السنة، ليس في حجية السنة، وإنما فيما يعتبر من السنة. فبعض المذاهب كالمذاهب الإمامي مثلًا يرى أن أقوال الأئمة نفسها تعتبر جزءًا من السنة، فيجب مراعاة هذا عند الموازنة.
كما أن هناك رجوعًا إلى مصدر الرأي أو الاحتجاج باعتبار العقل مصدرًا، فأشرت إلى هذا في ورقتي ليس على سبيل النقد وإنما على سبيل التعرف إلى مصادر الأحكام؛ لأنه إذا لم يراع اختلاف المصادر تكون الموازنة مختلة.
ثم أشرت إلى نتائج المقارنة وأنها إما أن تكون الترجيح، وقد لا يكون الترجيح عن طريق المذاهب الفقهية فقط، بل الترجيح بالعمل بالحديث وللعلماء في هذا أقاويل كثيرة، فمنهم من يطلق القول على عنانه، ومنهم من يشترط أن يكون هذا الحديث الذي جاء على خلاف المذهب قد عمل به أحد الفقهاء للتثبت من أنه ليس منسوخًا، وأن فهم هذا الحديث قائم على وجهه.
ثم أشرت إلى التلفيق الذي صدرت فيه قرارات من هذا المجمع الموقر وإلى أنَّ المذاهب التي يعمل بها ليست الأربعة فقط، وذلك بعبارات ذكرتها من علماء المذاهب الأربعة أنفسهم، وأن الاقتصار عليها كان لسبب منطقي موضوعي وهو ضبط كتبها وإحصاء خلافاتها، وأن كل مذهب يتحقق فيه هذا فهو قابل للأخذ به والعمل به حتى مذاهب الصحابة؛ لأن علماء الأصول يقولون: لا يعمل بمذاهب الصحابة، والسبب في ذلك أنها لم تنقل نقلًا متقنًا بقيودها وضوابطها، ولكن لو نقل شيء منها بقيوده وضوابطه فالعلماء يقولون: يُعمل به أيضًا.
ثم أشرت إلى سبل تضييق الخلاف ومنها: مراعاة الخلاف أي الخروج من خلاف العلماء بالأخذ بالأحواط، وقد وضع العلماء مبادئ لهذه المراعاة وأمثلتها، فإذا كان الأمر مثلًا بعض العلماء يقول بندبه وبعض منهم يقول بوجوبه فالخروج من الخلاف أن يؤخذ بالوجوب ليس على سبيل أنه الرأي الوحيد، وإنما في العمل فقط، وأما الفقه فيبقى مستقرًا ولا يطغى مذهب على آخر.