الحقيقة حيث تقاصرت الأقدار تزاحمت الأفكار. بمعنى أن الذين كتبوا مشكورون والأبحاث التي قُدمت كأنها قُدمت على استحياء، ولكن ما أن طُرح الموضوع إذا به يُعالج في العمق أو مزيدًا من العمق من الورقات التي قدمت لهذا المجمع الكريم.
لا شك أن هذا الموضوع هو أمانة في أعناقنا لأن منظمة المؤتمر الإسلامي التي ابنثق عنها المجمع المبارك ناظرة إلينا ماذا سنفعل، علمًا بأننا نبدأ من مناهج متعددة في الفقه لنبحث عن فتوى مُوحدة في الرأي مع الدليل والاستدلال. إذا كان ذلك كذلك فالسؤال الكبير المطروح علينا: نعم إن القرآن الكريم عرف بأن هذه الأمة هي أمة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[الأنبياء: ٩٢] ، لا يحتاج إلى مزيد بيان، ولكنا ليس مطلوب إلينا بصراحة أن نجعل من الوحدة ضرورة لعالمنا الإسلامي وليست مُخوفة للآخرين؟ يتبادر إلى الذهن هنا أن ابن حزم والبعض يعرف أن فقهه ربما كان بدعًا في المنهج، ولكن يا ترى هل في تصنيفه كتابه (مراتب الإجماع) نوعًا من الاطمئنان للأمة أن هذه الخلافات ما هي إلا خلافات خفيفة وبعيدة لا تؤثر في إجماع المسلمين، وأن ما أجمعوا عليه في الفقه لا تؤثر في هذه الاختلافات؟
نعم اليوم نحن أمام تجارب إذا لامسناها في السياسة وأذكر منذ خمسة وعشرين عامًا أيها الإخوة الفضلاء؛ كان هنالك مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة وتكلم الإمام أبو زهرة - رحمه الله - تحت هذا العنوان وفي نهايته قال:
(يا علماء العالم الإسلامي أعزوا هذا الإسلام) . نعم، مطلوب إلينا أن نعز هذا الإسلام وأن نمهد الطرق لنوفر أسباب الوحدة لتكون الوحدة ضرورية وليست طرحًا للنقاش فقط ولكن ضرورة اجتماعية، كما صارت وحدة أوروبا ضرورة لاعتبارات كثيرة لِمَ لا تكون وحدتنا أيضًا ضرورة لاعتبارات أكثر ونحن المهددون وليست أوروبا مع العلم بأن هذا التعدد ينعكس حتى على مناهج الدعوة تحت شعار توحيد الأمة؟ هل توحيد الأمة إلغاء الفريق الآخر؟ إن الوحدة تتحقق حيث نصبح جميعًا تحت لوائها وإلا فلسنا متوحدين. إذن تحت هذا العنوان أيضًا يمكن أن نمهد في الوحدة الفقهية على الرأي الراجح إلى أن نمهد للوحدة السياسية التي في الحقيقة ما أبحثها إلا لأنها مقدمة لهذه الوحدة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه.