للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ومن تقديس النص ارتفعت منزلة الإسناد درجة أقرب للتقديس (وهذا ما نزع عنه صبغته العلمية فيما بعد) ، وتحول الإسناد إلى لازمة من لوازم الثقافة الإسلامية، لدرجة أن أبا بكر محمد بن أحمد الدقاق قال: (بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها الأمم: الإسناد، الأنساب، الإعراب) (١) .

هكذا يقلبون الأمور، فقد أصبح علم التوثيق (الذي بواسطته يميز بين الصحيح والضعيف) موضع انتقاد.

٤ - الطعن في عصر الصحابة:

تناول غلاة العلمانيين الصحابة الكرام بالطعن والتجريح، حتى كتب أحدهم (خليل عبد الكريم) سلسلة من ثلاثة أجزاء سماها: (شدو الربابة بمعرفة أحوال الصحابة) ، وكان هدفه من وراء هذه السلسلة إلقاء التهم وإثارة الشبهات حول نقاء الصحابة الكرام وطهرهم، وصولا إلى الطعن في روايتهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتشكيك في عدالتهم.

والمجال لا يتسع إلى ذكر تلك المطاعن أو حتى سردها، وسأكتفي بإيراد أمثلة قليلة منها: فمن ذلك قوله:

(إن تحليل شخصيات الصحابة وأصولهم ومنابتهم ومكانة كل منهم، والبيئات الاجتماعية التي نشؤوا فيها، وعقائدهم السابقة، وأماكن تربيتهم من بدو أو حضر، وثقافاتهم والنظم والقيم والأنساق الاجتماعية التي قضوا ردحًا طويلا من عمرهم فيها قبل أن يلاقوا محمدًا ويدخلوا دينه، والحرف التي مارسوها، والأساطير التي ظلوا شطرًا من أعمارهم يؤمنون بها ... إلخ. وتأثير ذلك على الرواية الشفاهية مع تسليمنا أن بعضًا منها كان يُكتب حتى في حياة محمد نفسه، ولكن لا شك أن الغالبية العظمى من هذه الأحاديث كان طريق نقلها من الشفاه إلى الآذان، وتأثير تلك الأحوال التي ذكرناها في علاقاتهم مع محمد، ثم في علاقاتهم مع بعضهم البعض) (٢) .

فهو يجعل الرواية متأثرة بأديانهم وعاداتهم السابقة للإسلام.

ويتحدث عن دوافع الأصحاب للدخول في الديانة الإسلامية فيقول:

(وتختلف أسباب الطاعة من فريق إلى آخر: فالقرشيون كانت تدفعهم إلى ذلك عاطفة انتمائهم للقبيلة التي ينتمي إليها محمد، وإدراكهم من الوهلة الأولى أنه كان يشيد دولة قريش التي وضع أساسها جدهم الأعلى قصي بن كلاب، وهناك من دفعته الغنائم الوفيرة التي جاءت بها الغزوات والسرايا إلى الطاعة والانقياد طمعًا في نوال قسمة منها، وأقرب مثل على ذلك المؤلفة قلوبهم الذين أجزل لهم محمد العطاء من أموال هوازن في وقعة حنين) (٣) .


(١) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص٤٩.
(٢) محمد والصحابة، خليل عبد الكريم، ص١٣.
(٣) محمد والصحابة، ص٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>