للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما (عبد الهادي عبد الرحمن) فقد رفض مناهج السلف صراحة في دراسة النصوص، وراح يبحث عن منهج بديل لنقد النصوص وتمحيصها، يقول:

(فأولئك الذين استعاروا مناهج السلف كما هي محاولين إلباسها للواقع، سقطوا في فخ إهمال طبيعة الحاضر وموضوعاته ... ) (١) .

ولكي يشكك في مصداقية علوم السلف وفعالية مناهجهم اتهم علماء التفسير بنقل الأخبار المغلوطة، إذ يقول:

(مناهج الكتابة في ذلك العصر، وهي مناهج لا يمكن اعتمادها بشكل تسليمي مطلق، وكان الفقهاء يجهدون أنفسهم في البحث عن سبب النزول، سواء عن طريق النقل المسند أو عن طريق النبش في النصوص، أو عن طريق الوضع ... ) (٢) .

ويتهم التراث الإسلامي الهائل بفقدان منهجية البحث والتحقيق في نصوصه، مقارنًا ذلك بالمناهج الغربية السائدة في أوروبا، يقول:

(إن الكتب التراثية في بلادنا كثيرة هائلة العدد، لكننا نراها لا تزال تدور في الدائرة المغلقة دون أن تقدم أسئلة جديدة أو إجابات جديدة، ومعظمها يحمل طابع التصديق المطلق للنصوص دون أن تحمل روحًا نقدية حقيقية، وينبغي أن نقول بأن هذه المنهجية العريقة الراسخة منذ زمن طويل في أوروبا، لم ترسخ أقدامها فعليًّا حتى الآن في مجال الدراسات الإسلامية، وفي مجال قراءة النصوص وتحقيق التراث) (٣) .

وبقوله يقرر أننا:

(لن نتمكن من التقدم في فهم تراثنا الفلسفي، وتراثنا على وجه العموم إلا بالانفتاح المنهجي والابتكار المنهجي) (٤) .

لذلك فهو يدعو إلى دراسة النصوص الدينية بالمنهج التفكيكي العلمي الحديث، وهذا ما قرره حيث قال:

(ويقتضي الأمر القيام بعدة تجارب لرؤية ذلك النص في حالات متعددة، سواء في حالات معينة، أو وضعه قياسًا بموازاة نصوص متشابهة، أو في حالات قلبه، أو حتى بعزله عزلا تامًا عن أُطُره التي ارتبط بها، ثم إعادة ربطه، أو بتفكيكه وإعادة تركيبه، أو باستخدام الحيل المنطقية المتعددة ... ) (٥) .

كما يدعو الدكتور شحرور دعوة صريحة إلى رفض أقوال السلف من علماء وفقهاء ومفسرين، واتباع قواعد المنهج العلمي في دراسة القرآن، فقال:

(إننا في القرآن والسبع المثاني غير مقيدين بأي شيء قاله السلف، إننا مقيدون فقط بقواعد البحث العلمي والتفكير الموضوعي، وبالأرضية العلمية في عصرنا؛ لأن القرآن حقيقة موضوعية خارج الوعي فهمناها أم لم نفهمها) (٦) .

٨ - الادِّعاء بأن الشريعة هي تجميع عادات وأعراف اجتماعية عربية:

ونجد صدى هذه الدعوة صريحة في كتاب (جذور الشريعة) ، للكاتب خليل عبد الكريم، الذي يذهب إلى أن كل تشريع جاء به الإسلام يعود إلى أصول حياة العرب الجاهليين، لاسيما في الثلث الأول من القرن السابع الميلادي إبان ظهور الإسلام، فيقول:

(إن الإسلام ورث الكثير من عرب الجزيرة، واستعار العديد من الأنظمة التي كانت بينهم في شتى المجالات: الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية - الحقوقية - وكثيرًا من الشؤون الدينية أو التعبدية:

أخذ منها فريضة الحج وشعيرة العمرة وتعظيم الكعبة، وتقديس شهر رمضان، وحرمة الأشهر الحرم، وثلاثة حدود: الزنا والسرقة وشرب الخمر وشطرًا كبيرًا من المسؤولية الجزائية، مثل القصاص والدية والقسامة والعاقلة ... إلخ.


(١) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص٢٤.
(٢) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص٦٩.
(٣) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص١٥.
(٤) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص٢٣.
(٥) سلطة النص، ص٢٥.
(٦) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، د. محمد شحرور، ص٩١، نقلا عن التحريف المعاصر في الدين، ص٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>