للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النقطة الثالثة:

مناقشة أدلة هذا الاتجاه، وهنا لا بأس بالتعرض للرد الموجز على الأدلة المذكورة.

أولًا - الآيات القرآنية:

من قبيل {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: ٦٦] ، ومن الواضح لكل من لاحظ هذه الآيات وأنها آيات مكية إلا الآية الكريمة: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: ٨٠] ، ولاحظ أسباب نزولها، أنها كانت تطيب من خاطر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يتألم كثيرًا لإعراض بعض المشركين ووقوفهم بوجه دعوته الكبرى، فتخبره أن لا يبخع نفسه على أن لا يكونوا مؤمنين، فليس عليه إلا البلاغ، أما إذا رفضوا الإسلام فليس هو بوكيل حفيظ عليهم، وبالتالي فإنها لا تدل على المدعى المذكور، وليست بهذا الصدد.

ويوضح هذا - بالإضافة لملاحظة سياق الآيات وأسباب نزولها - الآيات الكثيرة التي ذكرنا بعضها، والتي تؤكد أن الرسول هو الشهيد على هذه الأمة، وتوجب طاعته وقيادته: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] .

{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] .

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] .

وكلها تتحدث عن قيادته ومسؤوليته تجاه أمته، وأنه أولى بها من نفسها.

أما الكافرون المكذبون فليس هو بمسؤول عن تكذيبهم، وإنما سيجزون بما كفروا يوم القيامة. وكذلك يوضح ذلك موقف الرسول العملي وقيادته للحياة العامة، وعدم اقتصاره على مجرد التبليغ والإنذار بالضرورة.

ثانيًا: الأحاديث النبوية:

فلو غضضنا النظر عن أسانيدها ولم نناقش رواتها واحدًا واحدًا - وهو طبيعي - فإن الحديث الأول واضح الدلالة على أن الحاكم الإسلامي، حتى ولو كان هو النبي صلى الله عليه وسلم ليس ملكًا جبارًا مستبدًا يحكم هواه ويقتل بغير حساب، ويقهر رعيته بالرهبة والجبروت، وإنما ينبغي أن يكون الرحيم العطوف الودود برعيته كما كان النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كان علي (عليه السلام) في أصحابه كأحدهم وهو يكتب إلى عامله على مصر (مالك الأشتر) كتابًا رائعًا يقول فيه من جملة ما يقول: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن سبعًا ضاريًّا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق

) (١) .


(١) منهج البلاغة، د. صبحي الصالح، ص٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>