فإنه أقوى دلالة على المطلوب لو صح، وإن كان من الممكن النقاش فيه على أسا أن المقصود من أمور الدنيا الأمور التجريبية التي يدركها الإنسان بالممارسة، وليست مسألة الحكم أمرًا من هذا القبيل، بل هي العمود الرئيس للمجتمع الذي يعمل الإسلام على بنائه، وخصوصًا بالنسبة لفترة ما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن الكلام كل الكلام في صحة هذا الحديث وذلك:
أ - كيف يعقل أن لا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم - أمور الدنيا وهو الذي يعيش في مجتمع أهم زراعة فيه هو زراعة النخل - أن تأبيره ضروري، لإنتاجه حتى لو فرضناه غير متصل بالسماء في هذه الأمور على الأقل؟ وكيف لم يرد عليه الفلاحون؟
ب - إن الإسلام كما قلنا أعطى رأيه في مختلف الشؤون الدنيوية بعد أن ضبط كل تصرفات الإنسان تحت عنواني الحلال والحرام كما مر، وقد تدخل النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف شؤونهم الحياتية حتى بصفته ولي الأمر، فقاد الجيوش ووجههم في مختلف الأمور كما في المجال الصحي وفي المجال الاقتصادي، وأمثال ذلك.
جـ - وقد قام بعض العلماء بمناقشة هذا الحديث سندًا ودلالة فأغنونا عن البحث فيه.
ثالثًا - الأدلة العقلية:
وكلها لا تصلح دليلًا على المدعى؛ أما استبعاد إمكان الحكومة العالمية، فهو قائم على أساس أنه يفرض على الجميع نمطًا واحدًا من السلوك بالرغم من اختلاف المناطق بينهم، وأن يكون الموجه الواحد للعالم والحكومة الواحدة متمثلًا بحكومة الإسلام والإمام، ولا يوجد أي مانع عقلي أو واقعي من ذلك، بل إن بعض كبار المفكرين والسياسيين في العصر الحديث يعدون ذلك إحدى الضرورات التي لا غنى عنها للبشرية - على أنه لا يهمنا رأي هؤلاء - بعد أن وعد الله المؤمنين بالدولة العالمية التي تملأ الأرض قسطًا وعدلًا:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}[النور: ٥٥] .