للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الإسلام - كما هو واضح من مختلف جهاته - يريد أن ينسق مسيرة الأرض الواحدة نحو تكاملها، وهذا لا يفرض إلا وحدة عامة، ولا مانع فيه من الاختلاف في بعض التطبيقات مراعاة للظروف.

وأما مدعاه في أن مسألة الحكم أمر دنيوي خلى فيه الرسول بيننا وبين عقولنا فقد توضح أمره مما سبق.

وأما المدعى الثالث في أن الرسول لم يَبْنِ الدولة، ولا وضع مبادئ الحكم، ولم يوصِ بشيء، ولا عيَّن تفصيلات الشورى، فالواقع فيه أن الرسول لاحظ كل ما يتعلق بهذا الأمر، فخطط لإقامة الدولة الإسلامية أروع تخطيط يتناسب - طبعًا - ومستوى الاحتياجات في عصره، ثم بين أهم مبدأ في نظام الحكم؛ بأن جعل الحاكم الأول في الدولة هو الإنسان العالم السائر على خط الإسلام الذي يعين شكل التنظيم الإداري، وهو يختلف باختلاف الظروف.

وأما ما ذكره بعض الأشخاص تأييدًا له فهو أيضًا غير صحيح، إذِ المؤسس الحقيقي لنظام الحكم الإسلامي هو النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما ما قيل من أن الدين نظام ثابت والدولة نظام متغير فهو أمر يخلط فيه بين جوانب الدين الثابتة التي تعالج أمورًا ثابتة، وجوانب الدين المرنة التي تعالج أمورًا متغيرة؛ كمسألة نوعية التنظيم والإدارة، فإن الجوانب المتغيرة من الحياة كعلاقة الإنسان بالطبيعة تنظمها قواعد مرنة تختلف تطبيقاتها باختلاف الظروف، مثل قواعد (منع الضرر) و (التزاحم بين الأهم والمهم) ... وأمثال ذلك.

ومن تلك الجوانب أسلوب الإدارة المختلف باختلاف الظروف، ولذا شكلت منطقة فراغ يملؤها الإمام، وربما عمد إلى الشورى في ذلك، أما الشكل العام الذي ينسجم مع الضوابط العامة فهو أمر ثابت لا يتغير، وسيأتي مزيد حديث عن هذا في البحث التالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>