أما مسألة فشل الحكومات الدينية فليس يعني أن كل حكومة دينية فاشلة مطلقًا، خصوصًا بعد أن صرنا نجد الحكومات المذكورة لا تتبع النظام الإسلامي الكامل، وتحيد عن الصيغة الإسلامية بأي شكل تصورناها. وهل يتحمل الإسلام وزر عمل الطاغية يزيد والحجاج وباقي حكام الجور وبعض الخلفاء العثمانيين وأمثالهم؟
وربما يحلو لبعض الكتاب مثل طه حسين أن يجعل الزمان غير مناسب للحكومة الإسلامية التي أرادها علي عليه السلام. ولذلك لم ينجح في إنشاء دولة العدل بعد أن مال الناس إلى ملكية معاية فيقول: (كان علي (عليه السلام) يدير خلافة وكان معاوية يدير ملكًا، وكان عصر الخلافة قد انقضى وكان عصر الملك قد أطل) .
ولكن طه حسين لم يلتفت إلى وجود العقبات في وجه أمير المؤمنين لم يكن من مقتضيات التطور الاجتماعي، وإنما هي حالة طارئة وجدت بفعل عوامل معينة، ولم تكن لتستطيع الثبات بوجه العدل العلوي لو فقدت أحد مقوماتها صدفة، كان لم يخدع بعض الناس فيعلن الثورة على أمير المؤمنين، مما خلق الضعف الكبير في الدولة الإسلامية التي يقودها، وأفشل التطبيق الإسلامي النظيف، وحرمنا الكثير من الخيرات.
وبالرغم من كل هذا فإن الفرص التي أتيحت للحكم الديني كي يشمل المجتمع شكلت أروع تجربة بشرية على
الإطلاق، بل إن هناك أنماطًا من التطبيق المنحرف لنظام الحكم الإسلامي هي أفضل بكثير من تطبيق أي نظام لا إسلامي بشهادة التاريخ.
الفرع الثاني - العلمانية الغربية وآثارها على العالم الإسلامي:
والمقصود بالعلمانية: المأخوذة من كلمة (العالم) أي (الزمان) ، أن يكون الحكم بيد قادة زمنيين لا يلتزمون بالدين تشريعًا وتنفيذًا، ومن الخطأ تفسيرها بأنها مذهب يدعو للاستفادة من العلم الحديث مثلًا، أو أنها مجرد مذهب يدعو لإقامة التنظيم الإداري والاجتماعي على أسس علمية مدروسة وأمثال ذلك.
وقد نشأ هذا المذهب من خلال إرهاصات عديدة وصراعات بين السلطة الدينية والسلطة المدنية في الغرب، وهو ما اعترفت به المسيحية بادئ الأمر، مما خلق هذا التناقض المرير وأدى في النهاية إلى هذا المذهب.
وقد ذكر بعض الكتاب أن دعاة العلمانية يسوقون الحجج التالية لضرورة بناء الدولة العلمانية، واستمداد التشريع والتنفيذ من غير الدين، بل وعدم إعطائه محلًا لائقًا في المجتمع، وهي:
١ - إن الدولة الدينية تعني سيطرة رجال الدين، مما يعني تحكمهم بمصائر الناس.
٢ - إن قوانين الدولة الدينية ثابتة كنظرتها إلى الحقيقة، وهي تؤدي بالتالي إلى بقاء المجتمع وعدم تطوره، وهذا شبيه بما قاله الماركسيون لرد الفلسفة المثالية، والقول بتطور الحقيقة نفسها.