وينطلق الإلزام في مقام المولوية من حكم العقل القطعي الإلزامي (وهو من أهم الاعتبارات العقلانية) بلزوم طاعة المولى الحقيقي، والعمل بأوامره المعلومة، واستحقاق الثواب والعقاب على أساس من هذه الطاعة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن احتمال إرادة المولى الحقيقي - أيضًا - ملزم للطاعة لدى العقل، ولا يحتاج الأمر إلى التحقق قطعًا من صدور الأمر الإلهي؛ يقول الشهيد الصدر متحدثًا عن أن البحث عن الحجية هو بحث عن حدود المولوية:
(لأن المولوية عبارة عن حق الطاعة، وحق الطاعة يدركه العقل بملاك من الملا
كات؛ كملاك شكر المنعم أو ملاك الخالقية أو المالكية، ولكن حق الطاعة له مراتب، وكلما كان الملاك آكد كان حق الطاعة أوسع.. وقد تكون مولوية المولى أوسع دائرة، بأن كانت منعميته بدرجة عليها حق الطاعة حتى في المشكوكات والمحتملات من التكاليف.. ومظنوني أنه بعد الالتفات إلى ما بيناه لا يبقى من لا يقول بسعة مولوية المولى الحقيقي بنحو تشمل حق التكاليف الموهومة) (١) .
رابعًا: مما يردده الكاتب كثيرًا: مسألة استحالة أن يكون هناك نظام خالد، لأن الظروف الزمانية المكانية متغيرة، فحتى لو جاء الأمر الإلهي بذلك فهو مستحيل ومخالف للمعايير العقلانية فيجب رفضه أو تأويله.
وهذا الإشكال معروف وقديم، ويكفي أن نشير إلى أن الكتَّاب الإسلاميين أجابوا عليه في بحوث مفصلة، وخلاصة الرد عليه هو:
إن الجوانب الإنسانية ليست كلها متغيرة، وإنما بعضها ثابت والآخر متغير، أما الجانب الثابت فيشمل مثلًا الجوانب الفطرية الثابتة في الإنسان، ومنها الثوابت الأخلاقية التي يؤكد عليها الكاتب، ومنها الحقائق الفيزياوية الكونية الثابتة أيضًا.
وعلاج هذه الجوانب يبقى ثابتًا.
أما الجوانب المتغيرة فيجب مواجهتها بعناصر مرنة (هي بدورها الكلي تشكل قواعد ثابتة) ، وللإسلام تخطيطه الواسع في هذا المجال يشمل:
أ - الإيمان بتقسيم الأحكام إلى أولية وثانوية وحكومية.
ب- تعيين المجالات المتطورة وتعيين دور الحاكم في ملئها، مع ملاحظة اختلاف الظروف الزمانية والمكانية.
(١) مباحث الحجج والأصول العملية للشهيد الصدر، تقرير السيد الهاشمي: ٢/٢٤.