وهنا نرى، وقبل أن نواصل، ومن أجل أن نواصل ونتابع هذا التاريخ، ضمن حركة التاريخ العام للإنسانية، نرى أن نقف عند مفهوم التوحيد لما يمثله من كونه المعيار الأول أو (Para-Meter) أو المعلمات التي تمكننا من وضع رسم بياني صحيح لحركة التاريخ، ولما يمثله من كونه محور الارتقاء في تاريخ الإنسانية - والذي قاده الأنبياء والرسل، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم، وبعدهم استدارت حركة التاريخ، لتقودها أمة العرب ومن حولها قوميات العالم الإسلامي، وبادئ ذي بدء، يهمنا أن نقول - والحق نقول:
إن الأنبياء والرسل بما حملوا من دين واحد، وإن تنوعت رسالاتهم تنوع أقوامهم، إنما كانوا يرسون أسس التوحيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خير ما دعوت إليه أنا والأنبياء من قبلي: شهادة أن لا إله إلا الله)) .
ولقد كان هذا هو القاسم المشترك لدعوة كل نبي رسول، ثم تنوعت المعالجات وفقًا لانحراف أو انحرافات كل قوم، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة المؤكدة والمصدقة لهذا القاسم المشترك، وهي أيضًا الرسالة التي تعطي جماعًا لما تفرق في الرسالات الأخرى، فتكون مهيمنة عليها، فالقرآن مصدق لما قبله ومهيمن عليه!.
وحجر الأساس في القرآن هو علاقة الإنسان بربه، وتوحيده بالربوبية! وبالتوحيد يتم استجماع مشاعر الولاء في نفس الإنسان، وترد إلى الإله الواحد الأحد، الذي لا إله غيره، وبهذا يتحرر الإنسان من كل عبودية لأي شيء! ولأي إنسان أو أي مخلوق!، وبهذا التوحيد - الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها - لا تذهب مشاعر التدين - كما يحدث في غيبة التوحيد - إلى الولاء المشتت بين أرباب متفرقين من الخلق، فتكون الدكتاتورية والظلم الرأسمالي أو الاستبداد الطبقي ... إلخ.