للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا وجد من أقوال الفقهاء ما يدل على وجوب الزكاة في هذه الأشياء أو في غلتها وفوائدها. كما سنذكر بعد.

٣- وأما نص الفقهاء على إعفاء الدور والآلات ونحوها من الزكاة؛ فهو عين الصواب –ولكن هذه الأشياء التي أخرجها علماؤنا من وعاء الزكاة غير ما نحن فيه، فدور السكنى غير العمارات الاستغلالية، وآلات المحترف كالقدوم والمنشار ونحوهما؛ غير الماكينات والأجهزة التي تنتج وتعمل وتدر ربحًا ودخلًا، والتي غير ظهورها وجه الحياة في العالم كله. ولهذا أطلق عليه المؤرخون اسم "الانقلاب الصناعي" ودواب الركوب غير هذه السيارات والطائرات والجواري المنشآت في البحر كالأعلام، وأثاث المنازل غير محلات "الفراشة" التي تؤجر أثاثها ومقاعدها ومعداتها للناس- فما أخطأ علماؤنا حين قرروا أن لا زكاة فيما ذكروا من الأشياء، بل طبقوا بدقة ما اشترطوه لوجوب الزكاة؛ أن يكون المال ناميًا، فاضلًا عن الحاجة الأصلية لصاحبه، ولهذا علل صاحب "الهداية" الحكم بعدم الزكاة في الأشياء المذكورة بقوله: لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أيضًا. (١)

ووضح ذلك صاحب "العناية" فقال: يعني أن الشغل بالحاجة الأصلية وعدم النماء؛ كل منهما مانع من وجوبها، وقد اجتمعا ههنا: أما كونها مشغولة بها فلأنه لا بد له من دار يسكنها، وثياب يلبسها.. الخ- وأما عدم النماء فلأنه إما خلقي كما في الذهب والفضة، وإما بإعداد للتجارة، وليسا موجودين ههنا. (٢)

وعلى هذا اتفق الفقهاء: أن لا زكاة في دار اتخذها صاحبها للسكنى، وهذا من العدل والتيسير الذي جاء به الإسلام، وإن كنا نرى كثيرًا من قوانين الضرائب في الدول المعاصرة تعمد إلى أخذ ضريبة على العقار، ولو كان سكنًا لصاحبه، وقليل منها –مثل التشريع الأمريكي- هو الذي نص على إعفاء مالك المبنى من الضريبة إذا كان يتخذه لسكناه.

هذا إلى أن تعليل فقهائنا لعدم وجوب الزكاة في الدور والثياب وآلات الحرفة ونحوها بأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وبأنها غير نامية، يدل –بمفهوم المخالفة- أن ما اتخذ منها للنماء ولغير الاستعمال في الحاجة الأصيلة يصبح صالحًا لوجوب الزكاة.


(١) الهداية مع فتح القدير ج ١ ص ٤٨٧
(٢) العناية نفس الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>