للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذهب الإمام أحمد عدم جواز وقف ما لا ينتفع به إلا بإتلافه مثل الذهب والورق والمأكول والمشروب، والمراد بالذهب والفضة هنا الدراهم والدنانير وما ليس بحلي لأن ذلك هو الذي يتلف بالانتفاع به، أما الحلي فيصح وقفه (١) واختار ابن تيمية صحة وقفها (٢) .

ومذهب الشافعية عدم جواز وقف ما لا يحصل الانتفاع به إلا بإتلافه كالذهب والفضة والمأكول (٣) .

ولا خلاف في المذهب الحنفي في جواز وقف الدنانير والدراهم (٤) قال ابن عابدين في حاشيته: "قلت إن الدراهم لا تتعين بالتعيين، فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها، لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية، ولاشك في كونها من المنقول، فحيث جرى تعامل دخلت فيما أجازه محمد، ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه، قال في الفتح إن بعض المشايخ زادوا أشياء من المنقول على ما ذكره محمد لما رأوا جريان التعامل فيها، وذكر منها مسألة البقرة الآتية ومسألة الدراهم والكيل حيث قال: ففي الخلاصة وقف بقرة على ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل قال: إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون جائزاً، وعن الأنصاري –وكان من أصحاب زفر - فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو يوزن قال نعم، قيل: وكيف؟، قال: يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه، وما يكال أو يوزن يباع ويدفع ثمنه لمضاربة أو بضاعة، قال: فعلى هذا القياس إذا وقف كراً من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض، ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبداً على هذا السبيل يجب أن يكون جائزاً، قال: ومثل هذا كثير في الري وناحية دوماوند".

فالفقه الحنفي يجيز وقف النقدين، ويحكى جريان العمل به، ويجيز وقف المنقول على حسب ما يجري العمل به، وهو يتفق مع الفقه المالكي في هذا الجانب.

ووقف النقود للسلف ينبغي أن يقرر، وذلك لشدة الحاجة إلى المال بدل الذهب والفضة من النقود الورقية في الاستثمار، ومنع هذه المعاملة وإهمالها يوقع الناس في حرج، خاصة مع وجود المصارف الربوية التي تقرض بفائدة، وإذا كانت النقود لا تتعين فإن بدلها يعينها، فيصير البدل مثل العين، وقد انتفى الغبن لمثلية الورق النقدي، لذلك ينبغي إقرار هذا النوع من الوقف على سبيل السلف، لما فيه من المصلحة وانتفاء الحرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ولما في ذلك من إحسان مطلوب في الوقف، لكن يلزم مع هذا ضمان هذا الوقف بمختلف الوسائل العصرية بتأسيس صندوق أو مصرف لهذا النوع من المعاملة يعهد إليه طبقاً لقوانين مضبوطة باستثمار هذا المورد وإقراض المستثمرين والمحتاجين في إطار من الضمانات الشرعية الكفيلة بالمحافظة على رأس المال وتنميته حسب خطط مدروسة.


(١) المغني: ٦/٢٦٢، المسألة رقم ٤٤٢٤؛ وشرح منتهى الإرادات، ص٤٩٢.
(٢) الاختيارات الفقهية، ص١٧١.
(٣) جواهر العقود: ١/٢١٨.
(٤) رد المحتار: ٣/٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>