للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذهب الشافعية لزوم الوقف باللفظ، ولا يحتاج إلى حكم حاكم ولا إلى إخراجه مخرج الوصية ولا إلى إخراجه من اليد كما يشترط ذلك الحنفية (١) .

وكذلك مذهب ابن حزم عدم اشتراط الحيازة (٢) .

ويذهب الفقه الذي أفتى به فقهاء المغرب إلى جواز اشتراط الواقف حق بيع أولاده الوقف إذا افتقروا، كما جرت الفتوى بانتفاع الواقف وأبنائه من الوقف قبل غيرهم عند الحاجة والضرورة.

والخلاف في الموضوع يرجع إلى الدليل من الحديث، فالقائلون بعدم الرجوع وعدم الافتقار إلى الحوز يصححون شروط المذهب الحنفي ويستدلون بحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) .رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه، والصدقة الجارية هي الوقف، وإذا جاز الرجوع فيه لم يكن صدقة جارية، وحديث ابن عمر المتقدم في وقف عمر أن عمر رضي الله عنه أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يباع ولا يوهب ولا يورث)) لأنه بيان لماهية التحبيس.

واحتج الحنفية بما روى الطحاوي وابن عبد البر عن الزهري أن عمر قال: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها، وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه، وأن الذي منع من الرجوع عنه كون عمر ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجيب عنه بأنه لا حجة في أقوال الصحابة وأفعالهم إلا إذا وقع منهم الإجماع، ولم يقع هذا هنا، وأيضاً فهذا الأثر منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر، ومن حجج الحنفية المروية عن محمد وابن أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ إلا بعض القبض، مثل الصدقة التي من شرطها القبض، وأجيب بأنه إلحاق مع وجود الفارق (٣) ، والمالكية يقولون كذلك بأن الوقف كالصدقة مفتقر للقبض، لما رواه مالك والبيهقي من حديث عائشة أن أبا بكر نحلها، ولم تقبض إلى حين حضور موته فقال: (لو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله) ، وقول عمر رضي الله عنه مما روى ابن شهاب في نحل الولد أن عمر رضي الله عنه قال: (من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها حتى تكون إن مات لوارثه فهي باطلة) ، ومثله قول أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس: (لا تجوز صدقة حتى تقبض) (٤) ، وبعضهم احتج بحديث: ((أو تصدقت فأمضيت)) وهو قول ابن أبي زيد في الرسالة: (ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة) .


(١) جواهر العقود: ١/٣١٨.
(٢) المحلى: ٩/١٨٢، مسألة ١٦٥٣.
(٣) نيل الأوطار: ٦/١٣١.
(٤) انظر مسالك الدلالة، ص٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>